وصل البعوض إلى أقصى الشمال البارد بالقرب من جزيرة غرينلاند الجليدية لتصبح أيسلندا الجزيرة التي كانت باردة عادة صيفا وشتاء عرضة لموجات حر لم تشهدها من قبل ما ينبئ بتغير مناخي غير مسبوق يشهد أقصى شمال المحيط الأطلسي ارتفاعا في درجات الحرارة بمعدل يساوي أربعة أضعاف المتوسط العالمي ما يغير وجه الكوكب من المحيطات إلى الحشرات وفي هذا التحول العميق يظهر البعوض في أيسلندا وهو غير قادر تقليديا على البقاء هناك في مؤشر بيولوجي على اختلال مناخي واسع يؤثر في النظام البيئي في عمقه ولطالما كانت أيسلندا باردة أكثر مما يحتمله البعوض فشتاؤها الطويل وصيفها القصير شكلا حاجزا طبيعيا يمنع تكاثر هذه الأنواع لكن مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة بنحو درجتين مئويتين منذ ثمانينيات القرن الماضي أي أسرع بأربع مرات من المتوسط العالمي أصبحت الجزيرة مهيأة لظهور أنواع جديدة لم تكن لتعيش فيها سابقا هذه ليست ملاحظة بيئية عابرة بل جرس إنذار لتسارع التغير المناخي في شمال الأطلسي القطب الشمالي حين يذوب التوازن ترتفعnbsp حرارة القطب الشماليnbsp والمناطق المحيطة به مثل أيسلندا وغرينلاند والمحيط المتجمد الشمالي بوتيرة غير مسبوقة فبين عامي 1979 و2024 فقدت المنطقة أكثر من نصف مساحة الجليد البحري الصيفي وتراجعت رقع جليدية رئيسية في غرينلاند بمعدلات قياسية يؤدي هذا الذوبان إلى تغيير انعكاسية سطح الأرض حيث تمتص المياه الداكنة والأراضي المكشوفة مزيدا من الطاقة الشمسية بدلا من عكسها مما يعزز حلقة التسخين الذاتي لكن ووفقا لتحليلnbsp نشره موقعnbsp CarbonBriefnbsp في يوليو تموز 2024 فإن الظاهرة لا ترتبط فقط بذوبان الجليد بل أيضا بطريقة انتقال الحرارة والرطوبة في الغلاف الجوي فالغلاف الجوي هناك أصبح أكثر استقرارا وأقل اختلاطا ما يحبس حرارة غازات الدفيئة قرب السطح وفي الوقت نفسه تنقل الرياح كميات أكبر من الهواء الرطب شمالا وحين يتكثف بخار الماء تنبعث حرارة إضافية تزيد الاحترار الرطوبة نفسها تعمل كالغازات الدفيئة مما يضاعف التأثير ويجعل خطوط العرض العليا ترتفع حرارتها بوتيرة تتجاوز المتوسط العالمي بأضعاف nbsp منظومة في حالة انقلاب ما يحدث في أقصى الشمال لا يبقى هناك فذوبان الجليد البحري وغرينلاند يضخ كميات ضخمة من المياه العذبة إلى شمال الأطلسي مما يهدد تيار الخليج Gulf Stream الذي ينظم المناخ في أوروبا وأميركا الشمالية أي تباطؤ في هذا التيار يعنيnbsp تغيرات جذريةnbsp في أنماط الأمطار والعواصف وحتى الزراعة كما أن ذوبان التربة الصقيعية Permafrost في سيبيريا وكندا يطلق كميات هائلة من غاز الميثان أحد أقوى الغازات الدفيئة مما يخلق حلقة تغذية راجعة تسرع الاحترار أكثر تشير تقديرات إلى أن نحو 60 من الميثان الطبيعي المحبوس في القطب الشمالي بات في طور الانبعاث الجزئي ما قد يرفع حرارة الأرض بمقدار نصف درجة إضافية خلال العقود المقبلة إلى ذلك تؤدي هذه التحولات إلى اختلال أنماط الطقس في خطوط العرض الوسطى موجات حر في أوروبا وآسيا وأعاصير شتوية قاسية في أميركا الشمالية وجفاف متزايد في مناطق البحر المتوسط إن ما كان يعتبر تغيرا مناخيا بعيدا بات اليوم جزءا من الحياة اليومية في الشمال والجنوب على حد سواء من الجليد إلى الحشرات إن ما يحدث في القطب الشمالي لا يقتصر على الأنهار الجليدية بل يمتد إلى كل مكونات الحياة فمع كل درجة ترتفع فيهاnbsp حرارة الشمال تتحرك حدود الحياة نحو القطبين أنواع جديدة تغزو بيئات باردة وأخرى مهددة بالاختفاء هكذا يصبح البعوض في أيسلندا أكثر من مجرد ظاهرة غريبة إنه رمز دقيق لتحول كوكبي واسع فذوبان الجليد لا يغرق الجزر فحسب بل يغرق التوازن البيئي بأسره وفي التفاصيل الصغيرة كطنين بعوضة في أيسلندا يمكن للعالم أن يسمع الصدى الحقيقي لاختلال المناخ على كوكب يزداد سخونة كل يوم من القطب الشمالي إلى الأمازون دورة اختلال واحدة كما يذوب الجليد في أقصى الشمال تختنقnbsp غابات الأمازونnbsp في أقصى الجنوب فهذه الغابات التي كانت تعد رئة الأرض تفقد قدرتها على امتصاص الكربون بسبب الحرائق المتكررة وإزالة الغابات لأغراض الزراعة والتعدين وتشيرnbsp التقديرات إلى أن الأمازون فقدتnbsp أكثر من 20 من مساحتها الأصلية وأن أجزاء منها تحولت من مخزن للكربون إلى مصدر له بعدما تجاوزت قدرة التربة والنباتات على التجدد هذا التحول يعني أن النظام المناخي يفقد أحد أهم صماماته الطبيعية في الوقت نفسه الذي ينهار فيه الجليد في الشمال فاختلال القطبين كل بطريقته يعيد رسم توازن المناخ العالمي شمال يذوب وجنوب يحترق وكوكب يختنق بين نقيضين يوحدهما خطر واحد قبيل قمة الأرض في البرازيل دعوة إلى التحرك مع اقتراب قمة الأرض nbsp مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطاريةnbsp بشأن تغير المناخ COP 30 في مدينة بيليم البرازيلية من 10 إلى 21 نوفمبر تشرين الثاني القادم لا يبدو أن الوقت في صالح الكوكب فشمال الأرض يذوب بسرعة تفوق قدرة الاتفاقيات على اللحاق بها والجنوب يدفع ثمنا بيئيا واقتصاديا متصاعدا ما يحدث في القطب ليس شأنا محليا بل جرس إنذار عالمي بأن سياسات الانبعاثات الراهنة والوعود المؤجلة لم تعد كافية وبالنسبة لكثيرين فإن العدالة المناخية لم تعد شعارا بل ضرورة للبقاء من أيسلندا إلى الأمازون ومن غرينلاند إلى دلتا النيل ويتطلب إنقاذ المناخ التزاما فعليا بتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستثمار في التحول الأخضر وحماية النظم البيئية التي تحفظ استقرار الأرض فالعالم الذي وصل فيه البعوض إلى أيسلندا قد لا يعرف حدودا بعد الآن لتداعياته إن استمر الصمت والاختلافات قبيل قمة البرازيل المقبلة لأن الكوكب ببساطة لم يعد يحتمل الانتظار