السيد حافظ وغربة المثقف المستقل في مصر

٥٩ مشاهدة
في نص قصير أقرب إلى البوح الشخصي منه نشر الكاتب والمسرحي المصري السيد حافظ على صفحته في فيسبوك منذ أيام إعلانا برغبته في الهجرة من وطنه غير أن الهجرة التي يشير إليها ربما لا تعني انتقالا من مكان إلى آخر بقدر ما هي تعبير عن رغبة في التحرر من حالة الاغتراب داخل الوطن نفسه تلك الحالة التي يعيشها مبدع اقترب من الثمانين بعد تجربة في الكتابة المسرحية امتدت نصف قرن من دون أن يجد مكانا يليق بما قدمه في هذا المنشور الذي صاغه بلغة مشبعة بالمرارة يذكر أنه لم يتلق يوما وظيفة ولا معاشا شهريا ولا حتى دعوة إلى مهرجان ثقافي في بلد تنعقد فيه سنويا مئات اللجان وتنظم عشرات المؤتمرات والمهرجانات ولد السيد حافظ في الإسكندرية عام 1948 وتخرج في كلية التربية بجامعة الإسكندرية عام 1976 انخرط منذ السبعينيات ضمن تيارات التجديد في الكتابة للمسرح إذ أصدر عمله الأول كبرياء التفاهة في بلاد اللامعنى الذي أحدث جدلا وفتح الباب أمام جيل جديد من التجريب المسرحي في مصر والعالم العربي كتب أكثر من مئتي مسرحية تنوعت بين التجريبي والتاريخي والكوميدي ونصوص الطفل إلى جانب ثمان وعشرين رواية حصد في بداياته الجائزة الأولى في التأليف المسرحي عام 1970 ثم نال جائزة التميز من اتحاد الكتاب المصريين عام 2015 وكرمته وزارة الثقافة عام 2018 ومع ذلك يقول في بيانه الأخير إن أعماله لم تقدم على مسارح الدولة منذ عام 2005 وإن هيئة الكتاب رفضت طباعة أعماله الكاملة خمس مرات خلال ربع قرن يتجاوز منشور حافظ حدوده الشخصية إلى ما يشبه وثيقة احتجاج على منظومة ثقافية لا تعترف إلا بمن يدخل في نسقها الإداري والإعلامي nbsp ظاهرة تهميش الأصوات المستقلة في الثقافة المصرية ليست جديدة بل تكاد تكون جزءا من البنية السلطوية التي تحكم الحقل الثقافي منذ عقود فالمؤسسات الرسمية غالبا ما تكرم من يتماهى مع خطابها أو يقدم لها واجهة ثقافية مطيعة بينما تقصي من يصر على استقلاله غير أن الصورة اليوم تبدو أكثر تعقيدا في ظل وجود سوق ثقافي جديد يقوم على النجومية والانتشار الإعلامي لا على القيمة الفنية في هذا السوق يصبح الكاتب الذي لا يتقن الظهور أو لا ينتمي إلى شبكة النفوذ الثقافي عرضة للنسيان مهما كان عمق منجزه أشار إلى رفض طباعة أعماله الكاملة خمس مرات خلال ربع قرن nbsp لكن المفارقة أن السيد حافظ لم يكن يوما معزولا عن النقد أو عن الحضور العربي فقد تناولت أعماله عشرات الدراسات الأكاديمية في الكويت والعراق وغيرها وكتب عنه نقاد ومسرحيون بارزون أي أن التهميش الذي يتحدث عنه هو داخل الحدود المصرية داخل الوطن الذي ساهم في تشكيل وعيه الفني ربما تكشف هذه الحالة عن خلل في ذاكرة الثقافة المصرية إذ لا توجد آلية حقيقية لرعاية رواد الأجيال السابقة ولا خطة لإدماجهم في الحاضر الثقافي كثيرون من أبناء جيل السبعينيات في المسرح مثل يسري الجندي وأبو العلا السلاموني واجهوا المصير نفسه أي التراجع التدريجي إلى الظل وكأن الدولة ترعى رموزا بعينها بينما تهمش آخرين مكتفية بتكريم شكلي متأخر فيما يظل الواقع المعيشي للمبدع هشا وغير كريم ولا يأتي ذكر يسري الجندي وأبو العلا السلاموني هنا عرضا بل لأنهما ينتميان إلى الجيل نفسه الذي خرج منه السيد حافظ وشاركاه الرؤية ذاتها للمسرح بوصفه فعلا نقديا وتجريبيا لا أداة ترفيه فقد كان الثلاثة في سبعينيات القرن الماضي من الأصوات التي حملت هم التجديد والبحث عن لغة مسرحية مغايرة ثم انتهى بهم الأمر بدرجات متفاوتة إلى الهامش ذاته فبينما عبر الجندي عن خيبة أمله بحدة في مقالاته وندواته واختار السلاموني الصمت الهادئ المفعم بالمرارة يأتي صوت السيد حافظ أكثر صراحة في فضح هذا التهميش ولا يقتصر هذا الانسحاب المؤسسي على المسرحيين وحدهم فثمة أدباء ومبدعون آخرون راحلون وعلى قيد الحياة عاش ويعيش بعضهم سنواته الأخيرة من دون تأمين صحي أو بمعاش هزيل مثل فؤاد قاعود ومحمد مستجاب ومحمد البساطي وسامي خشبة وأحمد طه

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم