أمين معلوف العالم بين هيمنة الغرب والأمزجة الشخصية للشرق
٥٤ مشاهدة
هل ينبغي أن تكون على رأس العالم قوة عظمى مهيمنة يسأل أمين معلوف في مقدمة كتابه متاهة الضائعين الغرب وخصومه دار الفارابي 2024 الذي صدر بترجمة رلى ذبيان ويستبق الخاتمة بالنفي فالغرب سار في طريق الانحطاط سياسيا وأخلاقيا على مدى قرنين من الزمان الاستعماري وينكمش اليوم أفقه الثقافي والاجتماعي إلى تفضيل الانغلاق على الانفتاح والتجانس على التنوع لكن هل نجح خصوم الغرب في تقديم نماذج إنقاذية وهل في الشرق مقومات تؤهله لقيادة البشرية خارج المتاهة بهذه الأسئلة يستكمل أمين معلوف مشروعه التأريخي الجيوسياسي ومن خلال الغوص العميق في تاريخ الشرق الأقصى اليابان والصين وروسيا يتوسع معلوف في أطروحته الفكرية حول اختلال حركة التاريخ وتهافت الحضارات التي بدأها بكتاب الهويات القاتلة 1998 وأتبعها بـاختلال العالم 2008 ثم بـغرق الحضارات 2019 nbsp يعنون معلوف كتبه لتكون عناوينها خلاصات دالة على أطروحاتها ولا تترك العناوين في كتبه كافة مجالا لتفاؤل العقل بمستقبل العالم ولا لإحسان الظن في سياسات الدول العظمى ولا للثقة بصدقية النخب السياسية وحسهم الأخلاقي ويتبع معلوف منهجا في قراءة التاريخ يعتمد على التجارب الذاتية والنظرة التأملية والقراءة التحليلية للأحداث المفصلية في تاريخ الأمم وطبائع الشخصيات المستجيبة للأحداث nbsp تبادل مساحات الهيمنة بين الحضارات يشبه معزوفة مأساوية nbsp في كتابه الأخير يسلط معلوف الضوء على الانتكاسات التي ألمت بالمشاريع النهضوية ذات الطابع الجذري الشامل في القارة الآسيوية بدءا من مشروع النهضة الياباني السريع في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والمعروف بـ إصلاح ميجي ثم الثورة البلشفية العاصفة في روسيا مطلع القرن العشرين وبمصاحبة الصعود الدراماتيكي البطيء والمتقلب للمارد الصيني على مدى القرنين الماضيين وبتبعية النسخة المقلدة للنهضة الكورية في النصف الثاني من القرن الماضي وهي المشاريع التي نظر إليها حضاريا على المستوى الآسيوي بأنها الرد المستحق الملهم من القارة الكبرى على استعراض القوة الغربي المهين يتحدث معلوف بنبرة أسى عن معجزة ميجي اليابانية الواعدة بالخير للإنسانية والباعثة للأمل بنموذج حداثي مشرقي والتي قامت على أكتاف نخب من المفكرين الحالمين ومن القادة المخلصين لكنها ضلت طريقها على يد جيل ثان من النخب ضيقة الأفق المتمركزة على ذاتها القومية والمصابة في الوقت ذاته بعقدة استنساخ النموذج الاستعماري الغربي فتتماهى معه في الطمع والبطش متجاهلة أفقها الحضاري ومتناسية الشرارة الأولى التي حدتها إلى الانفتاح الحضاري ثم لتجد نفسها مقودة في لحظة فقدان تام للإرث الثقافي والهوية الآسيوية إلى حرب الهيمنة على العالم بين القوى الاستعمارية الغربية nbsp تحديث الدولة يبدأ بإسقاط النظم البالية وإبعاد النخب التقليدية الفاسدة انطبق هذا المبدأ على النموذج الروسي بإسقاط أسرة رومانوف وعلى النموذج الصيني بإسقاط سلالة تشينغ إلا أن ما ميز النموذج الياباني عن نظيريه هو التقاط الإمبراطور نفسه للحظة التاريخية وتبنيه الإصلاحات الإدارية الشاملة التي حدت من سلطته لكنها أبدته في صورة الأب الروحي للدولة الحديثة يولي معلوف أهمية كبرى للعامل الفردي في نجاح التجارب الإصلاحية الثلاث في البدايات وإخفاقها في المآلات إلى جانب العوامل الداخلية والظرف التاريخي أو الشرارة التي تمنح التجربة طاقة الدفع الأولى ففي مقارنته بين النموذج الياباني والنموذج الصيني يعزو معلوف السبق الياباني إلى الاقتران المثالي بين عاهل ميجي شاب جريء نشيط موقر من شعبه وكوكبة من الرجال المتنورين العازمين على إخراج بلادهم من عزلتها التي دامت قرونا أما الصين في أواخر القرن التاسع عشر فكانت على العكس من ذلك تتنازعها الأهواء الشخصية للسلالة الحاكمة والدسائس التي تعصف دائما بالبلاط nbsp nbsp ويقصد معلوف بالعامل الفردي التكوين الشخصي للقائد والنخب التنفيذية من ناحية امتلاكها لسمات الاستنارة والإخلاص والشغف والانفتاح والحس الأخلاقي وإنكار المصلحة الشخصية وهي سمات أقوى تأثيرا من وجهة نظره من تأثير الأيديولوجيا والحزب والقيم العليا في تغيير مسار الدولة من نموذج حضاري إلى نموذج استبدادي داخلي الصين أو استعماري خارجي اليابان أو كليهما الاتحاد السوفييتي nbsp يهتم معلوف الذي عرف أديبا قبل أن يعرف مؤرخا في قراءته للتاريخ بالسمات النفسية والمزاج الشخصي للشخصيات الفاعلة في التاريخ فيسهب في تحليل نشأتها الأولى وخلفيتها الاجتماعية وقدراتها الذهنية وصفاتها الجسدية وتحصيلها العلمي وميولها النفسية وانتقلت حرفته في بناء الشخصية من ميدان الأدب الروائي إلى ميدان البحث التاريخي وتظهر فضوليته التحليلية تجاه نفسه أولا في كتابه الهويات القاتلة متسائلا عمن يكون من ناحية الانتماء ومحللا العناصر العائلية والطبقية والثقافية والعرقية البانية لشخصيته والمثرية لهويته يعطي العامل الشخصي أهمية أكبر في المشاريع الحضارية nbsp وفي كتابه غرق الحضارات يحلل التجربة الناصرية في مصر مبرزا دور الأمزجة والتفضيلات الشخصية في توجيه الخيارات السياسية والقرارات التاريخية ومن الملاحظ أن معلوف يعطي العامل الشخصي أهمية أكبر في المشاريع الحضارية ذات الأساس الثوري الجذري مثل روسيا والصين أو ذات الطابع الانقلابي العسكري مثل مصر حتى أنه يعطي المزاج الشخصي للقادة مثل ستالين وعبد الناصر والمشاعر شديدة الذاتية مثل الكراهية والغيرة والشك والتنافس دورا حاسما في تغيير دفة المشاريع من طابعها الجماعي إلى مشاريع ذات طابع فردي nbsp يشبه معلوف صعود نماذج حضارية وهبوط أخرى وتبادل مساحات الهيمنة في ما بينها يشبهها بمعزوفة مأساوية تتكرر لكن بلاعبين مختلفين ويرى أن هذا التكرار أمسى مخيفا وخطيرا ومملا ذلك لأن العالم وقيادته ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى الحرب الروسية الأوكرانية يفوت الفرصة تلو الفرصة لإنتاج نظام دولي لا يتسيده قطب واحد يحتكر الصوابية والشرعية القانونية ولا ينازعه السيادة قطب آخر أو قطبان ثائران ومتمردان ومنتقمان وساعيان إلى احتكار مضاد للصوابية والشرعية وتحصين نفسيهما بالقوة المادية من أي عواقب تنتج عن تقويض العالم nbsp nbsp قاص من الأردن nbsp