بعد يومين فقط من تأكيد هيئة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن مراقبة الأمن الغذائي حدوث مجاعة في مدينة غزة نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية في 24 أغسطس آب الماضي مقطع فيديو على يوتيوب يقدم رواية معاكسة تماما حمل الفيديو عنوانا واضح الرسالة السياسيون الانتهازيون والإعلام المنحاز يكذبون وادعى أن ما يتداول عن الجوع في غزة محض أكاذيب الفيديو الذي أنتج بتمويل حكومي وروج له بثلاث لغات أظهر سوقا مكتظة بالخضروات والفواكه والحلويات والخبز مع لافتة زمنية تشير إلى شهري يوليو تموز وأغسطس آب تلتها عبارة على الشاشة هناك طعام في غزة وأي ادعاء آخر كذب حقق المقطع أكثر من سبعة ملايين مشاهدة بالإنكليزية فقط وفق قناة الخارجية الإسرائيلية على يوتيوب واستخدم إعلانا حتى 29 أغسطس لكن مراجعة أجرتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية ونشرت الأربعاء كشفت أن المقاطع المصورة التي استخدمتها إسرائيل التقطت فعلا في أسواق مدينة غزة في يوليو لكنها عرضت منزوعة من سياقها الحقيقي إذ أظهرت المقاطع الأصلية التي نشرها مصور فلسطيني عبر وكالة Getty كميات محدودة من المواد الغذائية التي دخلت القطاع بعد شهور من القيود الإسرائيلية وعرضت بأسعار باهظة لا يقدر معظم السكان على شرائها ووفقا للمراجعة فإن هذا الفيديو جزء من حملة دعائية مدفوعة الأجر على يوتيوب تديرها الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى التشكيك في تقارير المجاعة والوضع الإنساني في غزة وأشارت رسالة داخلية من فريق الثقة والأمان في شركة غوغل المالكة لـيوتيوب إلى أن الحملة تركز تحديدا على ما إذا كانت مجاعة تقع فعلا في القطاع وأن هذه المقاطع من بين أكثر ما يشاهد على قناة الخارجية الإسرائيلية ونشرت أيضا بلغات أخرى مثل البولندية والإيطالية واليونانية والألمانية غير أن الرسالة نفسها التي اطلعت عليها واشنطن بوست كشفت أن عددا كبيرا من الشكاوى الرسمية ورد إلى غوغل من جهات حكومية وهيئات تنظيمية اتهمت الإعلانات الإسرائيلية بنشر معلومات مضللة ومع ذلك خلص فريق السياسات في الشركة إلى أن هذه الإعلانات لا تخالف قواعد المنصة التي تحظر المحتوى الخطير أو الصادم أو المتعلق بأحداث حساسة أو بادعاءات غير موثوقة وجاء في الرسالة المؤرخة في 4 سبتمبر أيلول الماضي أن الإعلانات لا تنتهك سياساتنا كما أن أي مواد مستقبلية من الحكومة الإسرائيلية بشأن الطعام أو المجاعة أو المساعدات الإنسانية في غزة لا تندرج ضمن نطاق الانتهاك ورغم اعتراضات جهات رسمية منها وكالة الأبحاث البولندية الحكومية NASK التي قالت إن خبراءها رصدوا محتوى مفبركا أو مضللا وطالبت بإزالته رفضت غوغل الشكوى وأبقت الإعلانات على المنصة تزامنت هذه الحملة مع رد رسمي من إسرائيل على تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي IPC الذي أعلن وقوع مجاعة في غزة إذ نشر الجيش الإسرائيلي مذكرة من ثماني صفحات اتهم فيها التقرير الأممي بأنه مشوه للواقع ويعتمد على بيانات منحازة مصدرها حماس غير أن منظمة الأغذية والزراعة فاو أكدت أن التقرير أعد وفق البروتوكولات المعتمدة وتحقق من حياده في المقابل قال المتحدث باسم غوغل مايكل أيسيمان إن الشركة تملك سياسات واضحة تحدد نوعية الإعلانات المسموح بها مؤكدا أنها تراجعها باستمرار وفق تطورات الأحداث وأضاف إذا وجدنا أي إعلان ينتهك هذه السياسات نحظره أو نحذفه لكن باحث الاتصال في جامعة بيتسبرغ سام وولي اعتبر أن المنصات الرقمية أصبحت ساحة رئيسية لتشكيل الرأي العام من الحكومات موضحا لـواشنطن بوست تدرك الحكومات أن مليارات الأشخاص يقضون وقتهم على يوتيوب ووسائل التواصل ولهذا تسعى إلى بث دعايتها هناك وحذر من أن استخدام منصة مثل يوتيوب لتضليل المستخدمين بشأن نزاع أو أزمة كبرى قد يشكل خرقا ليس لسياسات الشركة فحسب بل أيضا لقوانين الاتحاد الأوروبي وتظهر وثائق داخلية أن إسرائيل خصصت ما لا يقل عن 45 مليون دولار هذا العام لحملاتها الإعلانية على يوتيوب وفق تقرير نشره موقع Drop Site News وتشمل الحملة أيضا منصات أخرى مثل إكس وميتا إذ تبث المقاطع نفسها التي تظهر وفرة الطعام في غزة وفي المقابل أطلقت حركة لا تكنولوجيا للفصل العنصري No Tech for Apartheid التي تضم موظفين في غوغل وأمازون وناشطين يعارضون عقود التعاون التكنولوجي مع إسرائيل أداة إلكترونية لحث المستخدمين على تقديم شكاوى ضد هذه الإعلانات مؤكدة أن أكثر من 50 ألف شكوى أرسلت بالفعل إلى غوغل