سورية الجديدة وعي يتجاوز الجراح

٢٧ مشاهدة
في المجتمعات الخارجة من صراع داخلي أو حرب أهلية طويلة يبرز الخوف من احتمال تفجر نزعات الانتقام الطائفي أو القومي ومن صعوبة الانتقال من نموذج الفصائلية إلى نموذج الدولة وجيشها المنضبط وعند النظر بعمق إلى هذين العاملين في الحالة السورية نجد أن تجربة سورية تكتسب خصوصية لافتة فعندما نقارن مرحلة ما بعد سقوط النظام في العراق بما يجري اليوم في سورية تتبدى أمامنا تجربة مختلفة في جوهرها ونتائجها في العراق ورغم أن النظام سقط من دون حرب أهلية طويلة بلغ عدد ضحايا العنف الطائفي بعد سقوطه ما بينnbsp 150 و200 ألف شخص أما في سورية وبرغم المأساة الكبرى التي عاشها السوريون طيلة سنوات الصراع فإن عدد ضحايا العنف الطائفي بعد انهيار النظام لا يزال محدودا نسبيا لا يتجاوزnbsp بضعة آلاف قد لا تكون الأزمة انتهت بعد لكن الوعي الجمعي بات يدرك اليوم أنnbsp طريق المستقبل لا يبنى على الثأر هذه المقارنة تفتح الباب أمام القول إنnbsp المجتمع السوري بلغ درجة متقدمة من الوعيnbsp مكنته من كبح جماح الانتقام وتجاوز صفحات الماضي المؤلمة بروح من العفو والتسامح مع التأكيد أن العنف مرفوض ومدان في كل الأحوال بغض النظر عن الفاعل أو المبرر تاريخيا كانت محاولات الإخضاع الطائفي أو القومي في أي مجتمع تكلف أثمانا بشرية باهظة فالنظام العراقي السابق حاول إخضاع الأكراد لكن سياساته تلك أفرزت كوارث إنسانية وانتهت برفض دولي واسع وبعد سقوطه تبادلت الأطراف العراقية أدوار السيطرة فحاول الشيعة إخضاع السنة وكانت الكلفة الإنسانية والسياسية مرتفعة لكنها جرت هذه المرة تحت مظلة دولية متسامحة لأنها انسجمت مع مشاريع غربية مرسومة مسبقا للعراق والتاريخ مليء بالأمثلة التي تؤكدnbsp فشل الإخضاع في بناء الدول فمحاولات مدريد لإخضاع الكتالونيين لم تنجح رغم عقود من الضغط وكذلك الحال في مقاطعة كيبيك الكندية حيث انتصر الوعي المجتمعي ومبدأ التعايش على نزعة الإكراه والهيمنة أما على صعيدnbsp الانتقال من الحالة الفصائلية إلى تشكيل جيش وطني منضبط فتبدو المقارنة مع التجربة الليبية كاشفة فليبيا رغم مرور أكثر من أربعة عشر عاما على سقوط النظام لا تزال تعاني من انقسامات فصائلية حادة خصوصا في غرب البلاد بينما يظهر المشهد السوري اليوم قدرا أكبر من التماسك إذ يميل التوجه العام في الداخل نحوnbsp الاستقرار وإعادة التنظيم لا نحو التفكك أو إعادة إنتاج الصراع على النخب من مختلف المكونات أن تجلس إلى طاولة واحدة لتضع معايير مشتركة للحكم والتعايش وقد بادر الجيش السوري مؤخرا إلىnbsp الاعتماد على الضباط المنشقينnbsp للاستفادة من خبراتهم كما يتداول الحديث عن إمكانيةnbsp الاستعانة ببعض الضباط غير المنشقينnbsp ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء المدنيين في خطوة تعكس توجها براغماتيا نحو المصالحة وإعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس مهنية خلاصة القول إن المجتمع السوري يسير بخطى واثقة نحو تضميد جراحه وبناء حالة جديدة من التوازن والاستقرار قد لا تكون الأزمة قد انتهت بعد لكن الوعي الجمعي بات يدرك اليوم أنnbsp طريق المستقبل لا يبنى على الثأر بل على التفاهم والتعايش من هنا فإن البديل الحقيقي لنهج الإخضاع هوnbsp الحوار والتفاهم وعلى النخب من مختلف المكونات أن تجلس إلى طاولة واحدة لتضع معايير مشتركة للحكم والتعايش بعيدا عن خطاب التحريض والكراهية فالدول التي تبني استقرارها على الإقصاء سرعان ما تكتشف هشاشتها لأن الحقد المطمور في الوعي الجمعي يبقى ينتظر الشرارة التي تعيد إشعال النار من جديد إن بناءnbsp سورية الجديدة لا يحتاج فقط إلى إعادة إعمار الحجر بل إلىnbsp ترسيخ الوعي ورفع مستوى الثقافة المجتمعية بحيث يصبح قبول الآخر جزءا من البنية الأخلاقية والوطنية عندها فقط يمكن القول إنnbsp سورية بدأت حقا عهدها الجديد

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم