ماريا كورينا ماتشادو سيدة الفولاذ بحماية نوبل وسط عاصفة فنزويلا

٥٦ مشاهدة
في خضم تحولات سياسية متسارعة وتحديات إنسانية متفاقمة تشهدها أميركا اللاتينية وتوتر ملحوظ في منطقة الكاريبي بين واشنطن وكاراكاس اختارت لجنة نوبل للسلام أن تمنح جائزتها لعام 2025 لشخصية أصبحت عنوانا للمقاومة المدنية في فنزويلا ماريا كورينا ماتشادو وصفت بأنها صوت لا يلين في وجه الاستبداد وقد اعتبرتها اللجنة رمزا للشجاعة المدنية ومنحتها الجائزة تقديرا لجهودها في تعزيز الحقوق الديمقراطية لشعب فنزويلا وسعيها من أجل انتقال سلمي وعادل من النظام القائم إلى نظام ديمقراطي وأضافت اللجنة أن نضالها الطويل يجسد نموذجا للمثابرة في زمن تتعرض فيه الديمقراطية العالمية لضغوط غير مسبوقة وقال رئيس لجنة الجائزة يورغن واتني فريدنيس إن ماتشادو تمثل شريحة واسعة من الفنزويليين الذين يعيشون اليوم تحت ضغوط اقتصادية وأمنية خانقة حيث يعيش الملايين في الداخل تحت خط الفقر جدل حول الجائزة وتسييسها أثار منح نوبل لماتشادو جدلا في وقت تواصل فيه اللجنة تجاهل شخصيات مثيرة للانقسام مثل دونالد ترامب ورحبت واشنطن والاتحاد الأوروبي بمنحها الجائزة فيما لزمت معظم حكومات أميركا اللاتينية الصمت مع انقسام داخلي بين احتفاء المعارضة والتشكيك بوصف الجائزة بأنها مسيسة خاصة على خلفية الترشيح الغربي لها لنيلها من الكونغرس الأميركي والاتحاد الأوروبي ويتوقع تصعيد في كاراكاس ضد ماتشادو عبر اتهامها بـالتآمر الخارجي وتشديد التضييق الأمني في المقابل يرى مؤيدوها أن نوبل منحتها درعا دوليا يصعب استهدافها ويحول أي ملاحقة لها إلى قضية رأي عام عالمي يصعب تجاهله ويرى مراقبون أن النظام قد يلجأ إلى تشديد القيود الأمنية والقانونية على ماتشادو خشية تحول الجائزة إلى منصة تعبئة داخلية وخارجية ضده ماريا كورينا ماتشادو من الهندسة إلى السياسة ولدت ماريا كورينا ماتشادو عام 1967 في كاراكاس لعائلة من الطبقة العليا ذات علاقات اقتصادية واسعة ما وفر لها دعما اجتماعيا وماديا في مسيرتها السياسية درست الهندسة الصناعية لكنها انخرطت مبكرا في النشاط السياسي مع تصاعد الاستقطاب بعد وصول هوغو تشافيز إلى السلطة أواخر تسعينيات القرن الماضي في 2002 ساهمت في تأسيس منظمة سوماتي لمراقبة الانتخابات وتعزيز الشفافية قبل أن تنتخب عام 2010 في البرلمان كمعارضة لتشافيز أبعدت في 2014 بعد اتهامها بـالخيانة إثر مشاركتها في اجتماع منظمة الدول الأميركية بصفة مندوبة بديلة عن بنما لإلقاء كلمة تنتقد النظام وهو ما اعتبرته الحكومة تعديا على السيادة سيدة الفولاذ ليبرالية عنيدة تتبنى ماتشادو فكرا ليبراليا محافظا يدافع عن اقتصاد السوق والملكية الفردية وترى في الحرية الاقتصادية شرطا ضروريا للحرية السياسية تشبه كثيرا بمارغريت تاتشر لصلابتها الخطابية كما تستند في بعض مواقفها الاجتماعية إلى مرجعيات دينية متأثرة بالبابا يوحنا بولس الثاني بعد فوزها الكاسح بنسبة 93 في الانتخابات التمهيدية للمعارضة عام 2024 استبعدت ماتشادو بقرار رسمي من الترشح للرئاسة ما أثار انتقادات دولية لكنها دعمت مرشحا بديلا إدموندو غونزاليس أوروتيا وخاضت إلى جانبه حملة نشطة أسفرت عن مشاركة قياسية في الانتخابات بلغت 69 ووسط أزمة إنسانية واقتصادية خانقة ونزوح تقدر أرقامه بـ8 ملايين شددت ماتشادو على أن الاستقرار يبدأ بإصلاح سياسي واقتصادي متوافق عليه لا انتقامي وبعد إعلان فوز نيكولاس مادورو اندلعت احتجاجات قوبلت بالقمع وأدت إلى اعتقالات وضحايا بحسب منظمات حقوقية وفي وقت اختار فيه العديد من قادة المعارضة اللجوء إلى الخارج من بينهم إدموندو غونزاليس أوروتيا إسبانيا ليوبولدو لوبيز المنفى منذ 2020 وخوان غوايدو تنقل مستمر بقيت ماريا كورينا داخل فنزويلا رغم التضييق الأمني والتهديدات والملاحقات عاشت في الظل تنقلت بسرية وتقلص ظهورها العلني بينما اعتقل عدد من معاونيها ومع ذلك ظل خطابها حاضرا ونشاطها مستمرا مؤكدة أنا مكلفة بقيادة حركة تحرير وهذا بالضبط ما نعتزم فعله من هنا جاء لقبها La Dama de Aceronbsp سيدة الفولاذ بوصفها امرأة لم تكسرها العزلة ولا القمع بل صارت عند البعض رمزا للإصرار السياسي في زمن الانكسارات التي عاشها تيارها تقاطعات فكرية وانتقادات مشروعة تجمع ماتشادو بين الليبرالية الاقتصادية والمحافظة القيمية وتهاجم الأنظمة اليسارية في أميركا اللاتينية واصفة إياها بـالاستبدادية مثل كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا غير أن موقفها من بعض القادة اليمينيين المثيرين للجدل مثل رئيس السلفادور نجيب بوكيلي عرضها لانتقادات تتعلق بازدواجية المعايير فرغم تصريحاتها عن رفض أي انتهاك لحقوق الإنسان أيا كانت الجهة التي ترتكبه يرى منتقدوها أن خطابها لا يخلو من البراغماتية السياسية وربما الحسابات الإقليمية في قبول نموذج بوكيلي وغيره من مثيري الجدل بين الاعتراف الدولي والتوتر الإقليمي إلى ذلك لاقى منح ماتشادو جائزة نوبل ترحيبا واسعا من أنصارها باعتباره تتويجا لمسيرة كفاح طويلة في حين رآه آخرون إشارة سياسية واضحة في سياق الضغط الدولي المتصاعد على نظام مادورو إذ تأتي الجائزة في وقت يشهد فيه الكاريبي تعزيزا للوجود العسكري الأميركي ما زاد المخاوف من احتمالات التصعيد وفي ظل هذا المشهد دعا الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إلى وساطة قطرية لتخفيف التوتر بين واشنطن وكاراكاس أما لجنة نوبل فقد أكدت أن منح الجائزة لا يرتبط بموقف سياسي بل يجسد دعما لنضال سلمي طويل من أجل الديمقراطية وأن ماتشادو تمثل قيم الشجاعة والمثابرة والإيمان بالإصلاح السلمي ما بعد الجائزة بين الأمل والمجهول ماريا كورينا ماتشادو ليست مجرد زعيمة معارضة عند أنصارها بل تحولت إلى حالة رمزية تعبر عن طموح فئة واسعة من الفنزويليين بتغيير حقيقي يجمع خطابها بين نقد الواقع والسعي إلى بناء نظام مؤسساتي قائم على الحرية والمساءلة واقتصاد السوق وترفض ما تسميه عسكرة المجتمع بعد توتر العلاقات بواشنطن لكن التحدي الأكبر يبقى في تحويل هذا الطموح إلى واقع في بلد يعاني من أزمات مركبة انهيار اقتصادي ونزوح جماعي واستقطاب سياسي حاد ربما لا تحمل نوبل في حد ذاتها تغييرا سياسيا مباشرا لكنها تمنح ماتشادو منصة أوسع وتجعل من صوتها معركة لا يمكن تجاهلها بسهولة حتى في وجه نظام لا يعترف بالمعارضة والسؤال المفتوح إلى أي مدى يمكن لصوت واحد مهما كان صلبا أن يصمد أمام عاصفة وطن بأكمله

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم