حذر تقرير صادر عن منظمة القلم الأميركية وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بالدفاع عن حرية التعبير وحماية الكتاب والفنانين في مناطق النزاع من أن التراث الثقافي في قطاع غزة يواجه خطرا وجوديا غير مسبوق نتيجة الدمار الواسع الذي لحق بالمواقع التاريخية والدينية والمتاحف والمكتبات خلال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة التقرير الذي حمل عنوان كل ما فقد يضع صورة شاملة لحجم الخسائر مؤكدا أن ما يجري لا يقتصر على البنية التحتية أو الممتلكات المدنية بل يمتد إلى الهوية والذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني وبحسب التقرير تضرر 226 موقعا تراثيا وتاريخيا في غزة من بينها 36 مؤسسة بارزة ثقافية ودينية وتعليمية ومن أهم الخسائر التي رصدت تدمير المسجد العمري الكبير أقدم معالم غزة وأبرزها الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع الميلادي وكان يحتوي على مكتبة عريقة تضم مخطوطات نادرة كما أصيبت كنيسة القديس برفريوس الأرثوذكسية أقدم كنائس غزة النشطة منذ القرن الثاني عشر بأضرار بالغة في قصف أودى بحياة عدد من المدنيين كانوا يحتمون بداخلها يشير التقرير أيضا إلى تدمير حمام السمرة العثماني الذي صمد أكثر من سبعة قرون وتحويل قصر الباشا الذي استخدم متحفا في العقد الأخير إلى ركام أما متحف القرارة الثقافي شمال خانيونس الذي ضم آلاف القطع الأثرية والفلكلورية فقد دمرت معظم مقتنياته إثر عمليات قصف متكررة الخسائر لم تتوقف عند المعالم العمرانية إذ أحرقت مكتبات ومراكز مخطوطات كانت تحتفظ بمواد فريدة مكتبة المسجد العمري التي ضمت مقتنيات نادرة منذ القرن الثالث عشر تعرضت للتدمير شبه الكامل كذلك دمر مركز المخطوطات المجاور لقصر الباشا الذي كان يعمل على حفظ وترقيم المواد التاريخية بدعم مكتبات عالمية مثل المكتبة البريطانية إلى جانب ذلك تعرض مركز رشاد الشوا الثقافي وهو أحد أبرز المؤسسات الثقافية في غزة منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى دمار كبير بما في ذلك مكتبته التي ضمت نحو 20 ألف كتاب وفي حالات أخرى سجلت وقائع نهب وحرق متعمد لمواقع تراثية عدة ونهبت المئات من القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن اعتبرت منظمة القلم أن استهداف المواقع الثقافية يتجاوز الضرر العرضي الذي قد تسببه العمليات العسكرية مؤكدة أن ما حدث يمثل خرقا لاتفاقية لاهاي لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة وأضاف التقرير أن تدمير التراث الثقافي قد يستخدم دليلا على نية إبادة حتى لو لم يكن جريمة إبادة في ذاته لم يقدم الجيش الإسرائيلي ردا مباشرا على استفسارات المنظمة بشأن المواقع المستهدفة مكتفيا بالحديث عن الضرورة العسكرية واستغلال حماس للبنية التحتية المدنية إلا أن التقرير يشير إلى أن كثيرا من المواقع التي دمرت لم يظهر عليها أي نشاط عسكري واضح التقرير لم يقتصر على الأبنية والمخطوطات بل يرصد أيضا مقتل ما لا يقل عن 151 شخصية ثقافية وفنية وأكاديمية منذ بدء الحرب وهو رقم مرشح للزيادة هذا النزيف في الكوادر الإبداعية يهدد بحسب التقرير بقطع سلسلة الإنتاج الثقافي في غزة إذ إن غياب الفنانين والكتاب يعني فراغا مضاعفا لا يمكن تعويضه بسهولة الفنانة التشكيلية مي الشاعر التي تمكنت من مغادرة غزة في عام 2024 أوضحت للمنظمة طبيعة التحديات الكبيرة التي واجهها الفنانون حتى قبل الحرب مثل نقص المواد وصعوبة السفر وغياب الموارد لكنها أشارت إلى أنها غادرت وهي تحمل بعضا من أعمالها القريبة منها كأنها تحتفظ بجزء من الذاكرة في مواجهة الفقد تعكس شهادة مي الشاعر مأزق جيل كامل من الفنانين الذين وجدوا أنفسهم بين خيار الفقد أو الرحيل في بيئة ثقافية كانت تعاني أصلا من القيود التي يفرضها الحصار على صعيد الكلفة قدرت تقارير سابقة أن جهود الحفظ الطارئة وحدها ستحتاج إلى أكثر من 36 مليون دولار فيما قد تصل كلفة إعادة الإعمار الكاملة إلى ما يزيد عن 300 مليون دولار وتمتد على ثماني سنوات ومع مرور الوقت واستمرار الحرب يرى التقرير أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع كثيرا خصوصا أن بعض المقتنيات التي فقدت لا يمكن تعويضها بأي كلفة مالية كما أن غياب خطة دولية واضحة لإنقاذ ما تبقى من المواقع يزيد خطورة الموقف يخلص التقرير إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد خسائر مادية بل استهداف للذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني فالمكتبات والكنائس والمساجد والمتاحف لم تكن مجرد مبان بل حوامل للهوية ومخازن للتاريخ وتدميرها يعني وفق التقرير قطع الصلة مع قرون من الذاكرة والمعرفة وتعميقا لأزمة إنسانية وحقوقية غير مسبوقة