nbsp تواجه الدولة السورية الجديدة أسوأ موجة جفاف منذ 36 عاما تسببت بجانب الحرائق وتخريب النظام السابق للبنية التحتية والفوقية الزراعية في تراجع إنتاج القمح ذلك المحصول الاستراتيجي والمادة الأساسية لإنتاج الخبز الأمر الذي يضاعف الضغوط المالية والاجتماعية على الحكومة من أجل استيراد كميات كبيرة من السلعة الغذائية الحيوية في ظل شح السيولة من النقد الأجنبي وبلغ العجز في القمح بسورية هذا العام 2 73 مليون طن متري وهي كمية تكفي لإطعام 16 مليون شخص لعام كامل وانخفض الإنتاج المحلي إلى 1 2 مليون طن وهو ما يقل بنسبة 40 مقارنة بالعام الماضي في حين تحتاج البلاد إلى نحو أربعة ملايين طن سنويا وفق تقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة فاو في شهر يونيو حزيران الماضي وبسبب الجفاف غير المعهود تضرر 95 من القمح البعلي المعتمد على الأمطار على نحو شبه كلي وانخفض إنتاج القمح المروي بنسبة 40 عن المعتاد وتراجعت المساحات المنزرعة بالقمح في العام الماضي بنسبة 33 عما كانت عليه في عام 2005 فانخفضت المساحة من 1 9 مليون هكتار إلى 1 3 مليون هكتار في عام 2024 وتناقصت الكميات التي اشترتها المؤسسة السورية للحبوب ومؤسسة إكثار البذار إلى 35 من الإنتاج في الموسم الزراعي المنصرم في مقابل 70 في عام 2005 وما زالت أزمة الخبز قائمة في سورية منذ سنوات رغم عمليات الاستيراد ولن تنتهي إلا بزيادة الإنتاج المحلي واعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي التي تفردت بها الدولة السورية لقرون خلت وللخروج من هذا المأزق تحتاج الحكومة السورية إلى تشجيع المزارعين على التوسع في زراعة محصول القمح قبيل نهاية هذا العام من خلال سياسة التحفيز السعري والإعلان عن شراء المحصول في موسم الحصاد القادم بأسعار تحفيزية وتوفير البذور عالية الإنتاج والمقاومة للجفاف والأسمدة الزراعية والسولار بأسعار مدعومة حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة غير الموجودة الخبز يدعم الاستقرار في سورية يمثل الخبز الغذاء الأهم على مائدة السوريين ومعدل الاستهلاك السنوي للفرد السوري من القمح يقدر بـ170 كيلوغراما وهو ما يماثل ثلاثة أضعاف الاستهلاك العالمي بسبب سياسة الإفقار والحرمان المتعمد من البدائل الغذائية الأكثر قيمة والأغلى سعرا وكانت سورية تنتج بين 4 إلى 5 ملايين طن من القمح سنويا وكانت كافية لتغطية الاستهلاك المحلي لكن حافظ الأسد كان يستخدم الخبز لشراء ولاء السوريين والسيطرة عليهم لمدة 30 سنة في الحكم وكان يشتري القمح السوري من المزارعين بأسعار منخفضة ويقوم بتصديره للخارج بأسعار عالية ثم يشتري قمحا رديئا من الخارج بأسعار منخفضة ويتربح من فارق الأسعار على حساب المواطن ويستخدم هذا القمح الرديء في إنتاج خبز غير آدمي تحتاج سورية الجديدة إلى القمح السوري وفير الإنتاج المقاوم للجفاف لتوفير ربطة الخبز للمواطن بكرامة وتحسين دخل المزارعين الفقراء وتوفير فرص عمل للشباب وبالتالي فرصة ذهبية لدعم الاستقرار المفقود منذ عقود في حاضرة الشام الخضراء فالخبز يشكل أحد أهم وأخطر السلع الغذائية المرتبطة بالاستقرار السياسي والاجتماعي والأمن القومي حول العالم وأحد الأسباب المفجرة للثورات الاجتماعية التاريخية في العالم وكان شرارة الثورة التي اندلعت في دول الربيع العربي في أواخر سنة 2010 وما زالت جذوتها مشتعلة تحت رماد البطش الأمني ولم تنطفئ تأمين الاحتياجات اللازمة من القمح لتأمين ربطة الخبز للمواطن السوري الذي عانى من سياسات التجويع تحت حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد منذ اندلاع الثورة في منتصف شهر مارس آذار سنة 2011 ضروري وجوهري لبسط الاستقرار الاجتماعي للشعب السوري وحماية الحكومة من التعرض للابتزاز السياسي من الدول المصدرة للقمح وقد كانوا أعداء استراتيجيين للثورة السورية ومن حسن الحظ أن هناك وقتا كافيا أمام الحكومة لتشجيع المزارعين وتوفير احتياجاتهم الزراعية قبل موسم زراعة القمح الذي يمتد من شهر أكتوبر تشرين الأول وحتى موسم الأمطار نهاية الأسبوع الثاني من شهر يناير كانون الثاني الركوع أو الجوع حاول الأسد إجهاض الثورة السورية في مهدها بسياسة الركوع أو الجوع باستخدام الخبز سلاحا لردع الشعب الثائر لحريته منذ بدأت الثورة وحتى آخر أيامه في الحكم ودفعه الإجرام لتجويع السوريين بتنفيذ مخطط للتوسع في زراعة التبغ على حساب القمح الذي أهمل زراعته وتراجع الإنتاج إلى النصف ليستورد النصف الباقي من الحليف الروسي لشراء الولاء وتعمدت قواته منع دخول دقيق القمح للمدن والبلدات الثائرة على نظامه وقصف المطاحن والمخابز الموجودة فيها وقتل أكبر عدد ممكن من المصطفين أمامها للحصول على الخبز وحتى سنة 2021 بلغ عدد المخابز التي قصفتها قواته والقوات الروسية الداعمة له في معركة المخابز هذه نحو 149 مخبزا أما المخابز القليلة التي نجت من قصف قوات الأسد فقد قصفتها القوات الأميركية وقوات تنظيم الدولة الإسلامية وفق توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان وأسفر قصف هذا العدد الضخم من المخابز عن مقتل أكثر من 800 سوري مدني من كل الأعمار كانوا منتظرين أمام تلك المخابز للحصول على الخبز وبعد استعادة النظام السيطرة على المدن المحررة تعمد إهمال إصلاح تلك المخابز المدمرة متسببا في أزمة خبز مزمنة وعرض ملايين السوريين للجوع الحقيقي بحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش في مارس 2021 ومنع دخول الدقيق للمدن والقرى المحررة في إدلب ودير الزور والحسكة وحاصرت قوات بشار الأسد حي مدائن الشام في ريف دمشق من أغسطس آب 2012 حتى أكتوبر 2016 فأكل الناس العشب وأوراق الشجر ورصد برنامج الغذاء العالمي معاناة 90 من السوريين من انعدام الأمن الغذائي وفي انتخابات سنة 2014 حرم النظام المدن من الخبز لأشهر عدة ثم قام بتوزيع ربطة خبز على من يأتي للإدلاء بصوته في الانتخابات الصورية ثم اخترع الرئيس المخلوع الأسد حيلة خبيثة لترويض الناس فرفع شعار الخبز خط أحمر ووزع على السوريين الشرفاء في مناطق سيطرته سورية المفيدة بطاقات ذكية لشراء الخبز المدعم بسعر 400 ليرة لربطة الخبز ومعظم السوريين غير الشرفاء لا يجدون فرصة للحصول على الخبز المدعم ويضطرون للشراء من مخابز أخرى يديرها وسطاء للنظام بسعر يصل إلى 9 آلاف ليرة لربطة الخبز الواحدة ورغم التفرقة وغياب العدالة لم يكن حصول الشرفاء على ربطة خبز بالسعر المدعوم مهمة سهلة بل تتوجب الوقوف لساعات أمام الأفران والمخابز ضمن طوابير طويلة تلاقي سوء المعاملة من أصحاب المخابز وحالة الخبز متردية ويجبر المواطن على الدخول في أقفاص حديدية تشبه السجون بحجة تنظيم التوزيع وكانت قوات الأسد تشعل النيران في حقول القمح وتقصفها في موسم الحصاد بالقنابل الحارقة حتى لا يجد أصحاب المخابز قمحا لصناعة الخبز وبلغ عدد الحرائق التي أشعلتها قوات الأسد في حقول القمح أكثر من ألفي حريق التهمت ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد وما يقدر بـ500 ألف دونم من حقول القمح تشكل حوالى 50 من مجمل المساحة المزروعة بالقمح وقتلت المزارعين أثناء محاولاتهم إطفاء الحرائق المشتعلة وفي محافظة إدلب المحررة التهمت نيرات الأسد 50 من الأراضي المزروعة بالقمح وبالأقمار الاصطناعية وثقت الأمم المتحدة جرائم حرق قوات الأسد حقول القمح في مناطق المعارضة في إدلب وشمال حماة وقتل المزارعين وتهجير ما لا يقل عن 300 ألف شخص ومنعهم من الوصول إلى حقولهم وحصاد محاصيلهم وشهدت على أخذ السكان المدنيين رهينة واستخدام القمح والخبز سلاح حرب لتركيعهم مخاطر المساعدات الدولية في شهر يونيو حزيران الماضي وبسبب الجفاف أبرم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة اتفاقية مع وزارة الزراعة السورية لتقديم دعم وتعويض للمزارعين المتضررين من موجة الجفاف وتعزيز الاستقرار في الدولة الجديدة من خلال توفير عناصر الإنتاج الزراعي لعدد 33 ألف مزارع خلال دورتين إلى ثلاث دورات زراعية وتقديم حصص غذائية لشهور عدة وهذه مساعدة قيمة لكنها لن تحل أزمة الخبز في سورية وتنطوي على مخاطر سياسية تمتلك سورية مقومات تاريخية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والمحاصيل الاستراتيجية وهي قادرة من خلال إمكانياتها المحلية على تجاوز تحديات الجفاف وتعزيز الأمن الغذائي ما يمكنها من الاستغناء عن المعونات الدولية التي ترتبط بأجندات سياسية وأهداف لا تخدم بالضرورة التنمية الوطنية والزراعة السورية واعدة لتحقيق الرفاهية للمواطن السوري الذي قام بثورة مجيدة بعد معاناة من الحكم البائد وحتى عام 2010 كانت الزراعة ترفد الاقتصاد بـ17 6 من الناتج المحلي وتوفر فرص عمل لنحو 17 من القوى العاملة أي ما يقارب 900 ألف شخص الحكومات الجادة هي التي تضع خططا استراتيجية للاعتماد على الذات لتحقيق أمنها الغذائي بالتركيز على إنتاج المحاصيل الأساسية وهي القمح والذرة والقطن والمحاصيل الزيتية واللحوم والأسماك مستفيدة من جهود الباحثين الزراعيين الوطنيين في تطوير سلالات محلية نباتية وحيوانية تتحمل الجفاف والظروف البيئية ودعم المزارعين بتلك الأصناف وشراء محاصيلهم بأسعار مجزية