الباشا محمد بن بوشتى البغدادي محبوب الفقراء و مبغوض الأثرياء
من الشخصيات الغريبة التي عرفتها مدينة فاس العتيقة، والتي دارت حولها نقاشات واختلافات في الآراء، شخصية الباشا محمد بن بوشتى البغدادي (1850 ـ 1932). لقد غلب اسم والده على اسمه فأصبح يعرف باسم “بوشتى البغدادي”. وعلى الرغم من ارتباط هذه الشخصية بذاكرة فاس وتاريخ السلطة قبل مئة عام وعلاقته الوطيدة بجهاز مخزن الدولة العلوية من جهة، وجهاز السلطة الاستعمارية من جهة أخرى، فلا نجد في الأدبيات التاريخية المغربية عنه إلا كتابات شحيحة، على عكس ما تحفظ له الذاكرة الشعبية من محكيات وقصص تتراوح بين المتعة والمرارة. إلا أن الكتابات الاستعمارية وصفت الباشا أحيانا بالعادل، وأحيانا أخرى بالشرس.
مع مرور الزمن تحولت شخصية باشا مدينة فاس العتيقة البغدادي بين ساكنة المدينة القديمة البسيطة إلى أسطورة تتردد على الألسنة، فنسجت حولها سردا بين الحقيقة والخيال.
وكانت الأحداث والوقائع والحكايات، التي عايشها الناس في فترة باشويته في فاس طيلة عشرين سنة، سواء معاينة أو سماعا، تحكى مثل مسلسل جريمة تلفزيوني، وفيها من المديح الشيء الكثير والإعجاب بفطنة هذا الباشا، الذي كان يستطيع أن يفك قضايا إجرامية معقدة بذكاء ودهاء بليغ. غير أن هذا الاعجاب والانبهار عند الساكنة البسيطة قابله مقت وكره عند الطبقة المتعلمة.
لقد كان المتخاصمون في تلك الفترة يتقاضون عند الباشوات، الذين كانوا يمارسون مهمة الفصل في كل القضايا الاجتماعية، إلا إذا تعلق الأمر بما هو شرعي. وقد اكتسب الباشا البغدادي شعبية واسعة بين ساكنة فاس القديمة، حتى أنه صار له صيت وافر وثقة كبيرة كباشا عادل ومنصف بين الساكنة، على الرغم من لجوئه في كثير من الأحيان إلى تطبيق مبدإ “العصى ما تخلي من يعصى”، الذي كان مكلفا بتطبيقه أحد أعوانه المخلصين، والمشهورين بغلظته وشدته، وكان ملقبا بـ”بن عتروس”.
وقد كان هذا المخزني طويل القامة، قوي البنية، ينحدر من الأفارقة الذين خدموا في جيش البخاري. وكان الباشا يلجأ إلى هذا الأسلوب، بمساعدة “بن عتروس”، في الحالات التي يعجز فيها عن الحصول على الاعتراف من المتهم، فكان هذا العون يستخرج الاعتراف
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على