كيف نتذكر فارس الخوري
كيف نتذكّر فارس الخوري؟
ملحق سورية الجديدة /> سالي علي كاتبة ومصممة جرافيك من سورية. 16 سبتمبر 2025 رئيس الوزراء السوري فارس الخوري (الثالث يمينا) خلال اجتماع لجامعة الدول العربية في القاهرة + الخط -الأشخاص الذين يصبحون رموزاً لأوطانهم يستخدمون وصفة واحدة لا تتغير، وهي بسيطة للغاية: مترفعون عن انتماءاتهم الضيقة الصغيرة، متعففون عن الأطماع والأهواء.
بسبب استخدام الوصفة نفسها، بقي فارس الخوري رمزاً وطنياً في الوجدان السوري، منذ ظهوره في الحياة العامة قبل قرن.
وقف، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1945، رئيس وزراء سورية آنذاك، فارس الخوري، على منصة الأمم المتحدة في نيويورك، وقال: أنا المواطن السوري قبل كل شيء. كانت تلك العبارة التي تبدو اليوم مألوفة حدّ الابتذال، بمثابة إعلان نادر عن لحظة وعي سياسي تأسيسي، تجرّأ فيها رجل واحد على تلخيص مشروع بأكمله في جملة واحدة: مشروع بناء هوية وطنيّة سوريّة، تتجاوز الطائفة، المذهب والمنطقة، وتنتمي إلى دولة حديثة تتشكّل من رماد الانتداب الفرنسي، وتفتّش عن تماسكها الداخلي في ظل خريطة تتقلّب على كل الجبهات.
لم يكن الخوري، وهو مسيحي بروتستانتي يتحدّر من بيئة أقلية وسطَ محيطٍ إسلامي تقليدي، يتحدّث باسم جماعته، بل باسمِ وطنٍ أراد له أن يكون أكبرَ من مجموع طوائفه. لم تكن عبارته خطاباً شعبياً ولا استعراضاً دبلوماسياً، بل صياغة لما ظنّه هو، وكثيرون من أبناء جيله، مشروعاً قابلاً للتحقق: وطنٌ يعرّف نفسه بهويّة مدنية جامعة، يمكن لمواطنٍ أن يقول فيها أنا سوري من دون أن يُطلب منه شرح إضافي، أو تفصيل طائفي، أو بيان حسن سلوك سياسي. كانت سورية آنذاك فكرة في طورِ التكوين. وحمل أبناء تلك اللحظة، رغم هشاشتها، الإيمان الكامل بأنّ هذه الهوية، المولودة حديثاً، قابلة للنمو، وبأنها يمكن أن تكون رديفاً للحرية، لا مجرّد غطاء إداري للسكان.
بعد نحو ثمانية عقود، لم تعد عبارة أنا سوري تكفي. بل على العكس، قد تصبح في ظروفٍ معينة جواباً مريباً، أو استفزازاً غير مفهوم، أو حتى، في أسوأ السيناريوهات،
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على