كافكا في غزة كيف يقاوم جميعنا التحول إلى حشرات
كافكا في غزّة: كيف يقاوم جميعنا التحوّل إلى حشرات
آراء /> هاني عواد كاتب وباحث فلسطيني في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، دكتوراة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. 09 سبتمبر 2025 alt="كاريكاتير المقاومة الفلسطينية / حجاج"/>+ الخط -ثمّة شعور طاغٍ اليوم، بعد الإبادة التي لم تتوقف لحظة واحدة، أنّنا جميعنا قد تحوّلنا إلى حشرات. وجميعُنا هنا تحيل إلى كل من يعيش اليوم ما عاشه بطل كافكا حين استيقظ صباحاً ليجد نفسه قد صار حشرة ضخمة، منبوذة، ومقزّزة. غير أنّ الفارق الجوهري أنّنا لم نستيقظ هكذا فجأة، ولم يكن الأمر مصادفة، فإسرائيل لم تدفعنا إلى هذا الموقع عرضاً، بل جعلت من تحويل الفلسطيني إلى ما هو أدنى من البشر سياسة متعمّدة، تهدف إلى سحق الضحية نفسيّاً وأخلاقيّاً، وتجريده من أي حقٍّ في المطالبة، بل حتى من حقه البديهي في الحياة.
ليس ما نشعر به إذاً مجازاً عابراً، بل إحساس مُصنَّع يُراد له أن يكون يوميّاً وملازماً. فهو سلاحٌ منظَّم يُعرف اليوم بـنزع الإنسانيّة، وما نعيشه من كافكاوية هو أحد أعراضه ليس إلّا. والغاية أن ننظر إلى أنفسنا في مرآة التاريخ، فلا نرى أمماً ولا حضارات، بل كائنات وضيعة، كـحشرات، يُراد لها أن تعيش في منطقة رمادية بين الحياة والموت، وبين الوجود والفناء. والمقصود أيضاً أن نتذكّر هذه الصورة كلما فكّرنا بالتمرّد أو مقاومة الغطرسة، وأن نتذكّر أنّها انعكاسٌ دقيقٌ لموقعنا في هذا العالم وفي النظام الدولي الجديد.
لم تعد المعركة اليوم وقف الإبادة فحسب، بل ضد الرواية التي تريد أن تقيّد وعينا. أمّا الردّ عليها فلا يكون عبر رفض الرواية فحسب، بل بالعمل من أجل المقاومة والقصاص من المجرمين
وما ينبغي أن نتذكّره أيضاً أن نزع الإنسانية ليس اختراعاً إسرائيليّاً خالصاً، بل سياسة مألوفة ومستعارة من عُمق الوجدان الأوروبي، فمسرحية كافكا نفسها كانت انعكاساً لتجربة يهود أوروبا ومأساتهم، أمّا تحويل الآخر إلى لا بشر والقبول بإبادتهم، فقد ظلّ دائماً خطاباً وممارسةً أوروبية كلاسيكية لإدارة المستعمرات:
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على