في براءة الشر روتين القتل المألوف

١٠ مشاهدات

في براءة الشرّ... روتين القتل المألوف

آراء

نور الهدى سعودي

/> نور الهدى سعودي كاتبة وباحثة مغربية، ماجستير في الفلسفة. 26 اغسطس 2025 alt="ضياء العزاوي"/>

(ضياء العزاوي)

+ الخط -

الطفل الذي يقتلع أجنحة الفراشة لا يعرف أنه يسرق من الهواء رقصته، يراقب بعينَين مغسولتَين بماء الدهشة كيف تتحوّل الرفرفة ارتجافاً، ثم سكوناً يشبه الصلاة الأخيرة. في قبضته الصغيرة، ينطفئ لون قوس قزح كان يطير. عيناه تلمعان بنور الاكتشاف الأول، ذلك النور الذي سبق الخطيئة وتلا الجنّة. هذه هي البراءة وهي تمشي حافيةً على جثث النجوم الصغيرة: الفعل المدمّر من دون وعي بأن للدمار ذاكرة، الألم المُسبَّب من دون إدراك أن للألم صدىً يتردّد في جدران الكون.
في الحروب التي تحترق الآن شموعاً في ميلاد الموت، هناك من يضغط أزراراً ناعمة كخدود الملائكة. أزرار لا تعرف أنها تكتب نهايات القصص، أزرار نظيفة في غرف تشبه أرحاماً معقّمة من الذنب. الزرّ لا يصرخ عند الضغط عليه، لا ينزف دماً ساخناً، لا يتوسّل بلغة الأمّهات. الإصبع التي تضغط تظلّ ورديةً، بريئةً، كأنها لم تلمس إلا لوحة بيانو صامتة. المسافة بين الفعل ونتيجته تخلق براءةً من نوع آخر، براءةً هندسيةً، كأننا نرسم دوائر في الهواء لا ندري أنها فوّهات جحيم. الموظف الذي يملأ استمارة الموت بقلم أزرق جافّ، الطيار الذي يرى مربّعاتٍ في شاشة تشبه لعبة طفولة منسيّة، المهندس الذي يحسب زوايا السقوط كأنّه يحلّ معادلةً في الجمال المجرّد... كلهم أبرياء بطريقة ما، براءة من لا يرى في المعادلة إلا أرقاماً تتراقص، لا أرواحاً تتلاشى.

هذه هي تفاهة الشرّ: حين تتحوّل الإبادة الجماعية مشكلةً لوجستيةً تتطلّب موظفاً يتقن عمله

لكن الشرّ لا يحتاج دائماً هذه الآليات المعقّدة. أحياناً، يكفيه موظّف عادي ذو نظارات سميكة يجلس خلف مكتب منظّم. رجل نحيل بهذه البساطة جلس ذات يوم في قاعة محكمة في القدس، وكان قد أدار ترحيل الملايين إلى الموت بكفاءة إدارية مدهشة. حينها اكتشف العالم الحقيقة المرعبة: الوحش لم يكن وحشاً بالمعنى المتوقّع. كان يتحدّث

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم