الاستقرار الإداري قبل الاستدامة
الاستقرار الإداري قبل الاستدامة
/> محمد صالح مستشار وخبير في التنمية الدولية والتطوير المؤسسي، تركز جهوده وخبراته على إصلاح القطاع العام وتنمية المجتمعات المحلية. أدار وعمل في العديد من المشاريع المموّلة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والاتحاد الأوروبي في مجالات التنمية وسيادة القانون. 23 اغسطس 2025 + الخط -في كلّ مرّة يتغيّر فيها مسؤول، يبدو المشهد وكأنّنا أمام فصل أوّل جديد تُمحى فيه صفحات الأمس، وتُدفن الاستراتيجيات، وتُستبدل المبادرات بأخرى تحمل أسماء وشعارات براقة ترتبط بالقادم الجديد. الجميع يتحدّث عن الاستمرارية، عن البناء على ما تحقّق، عن التراكم المؤسسي، لكن الواقع يقول إنّنا نعيش ثقافة البداية من الصفر في حلقة يبدو أنّها لا تنتهي. وكأنّ كلّ وافد جديد يرى نفسه المخلّص الذي بُعِث ليصحّح أخطاء سابقيه، ناسفًا بذلك فرصة السياسات لتثبت جدواها أو تفشل وفق تقييم موضوعي. هذه الظاهرة، ليست مجرّد خطأ إداري؛ بل هي عارض لخلل أعمق في بنية الحكم والحوكمة، وتفتح بابًا للتساؤل حول إمكانية تحقيق الاستدامة من دون استقرار إداري يضمن نضوج الأفكار قبل وأدها؟
أحيانًا يُشار لهذه الظاهرة في الأدبيات الإدارية والسياسية بمسميّات مثل قصَر النظر الاستراتيجي الذي يركّز على الإنجازات السريعة المُرتبطة بولاية المسؤول، بدلًا من الاستمرار بالبناء على ما سبق، وأحيانًا تربط بعقلية رفض أو هدم ما تمّ بناؤه سابقًا فقط لأنه لم يأتِ من الفريق الحالي، ضمن آلية تكسر المسار المؤسسي الطبيعي مع كلّ تغيير في هرم الإدارة.
وتعزى هذه المشكلة لمجموعة عوامل مركّبة؛ أهمها عوامل شخصية نابعة من نزعة بعض المسؤولين لإثبات الذات عبر محو أثر من سبقهم، لإظهار أنّهم المخلّصون. وتدعمها عوامل هيكلية تتمثّل في غياب الحوكمة المؤسسية التي تفرض الاستمرارية بصرف النظر عن تغيّر الأشخاص، وللأسف، تلعب السياسة وارتباط المناصب في دول كثيرة بالولاءات والشخصنة بدلًا من المؤسساتية.
نعيش ثقافة البداية من الصفر في حلقة يبدو أنّها لا تنتهي
وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على شرقنا الأوسط الطيّب، ففي أميركا اللاتينية وأفريقيا كثيرًا ما يُلاحظ أنّ كلّ
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على