في منتصف القرن التاسع عشر تأثرت المدن السورية بنمط العمران الأوروبي وشهدت تحولا جذريا في نمط السكن مدفوعا بعوامل ديموغرافية واقتصادية واجتماعية فمع تزايد عدد السكان لم يعد النموذج الأفقي للبيت التقليدي عمليا وبدأ التحول نحو العمارة الحديثة القائمة على الأبنية السكنية متعددة الطوابق التي تخلت عن مفهوم الفناء الداخلي واستبدلته بمساحات خارجية محدودة مثل الشرفات هذا الانتقال الذي تأثر بشكل كبير بـ الأنماط المعمارية الغربية أدى إلى تبني مواد بناء جديدة مثل الإسمنت المسلح مما سمح بإنشاء هياكل أكثر ارتفاعا ليجسد البيت الحديث في المدن نموذجا جديدا يتسم بكفاءة أعلى في استخدام الأرض والاستفادة منها لكنه أدى إلى الابتعاد تدريجيا عن الخصائص المعمارية التقليدية التي كانت تعكس هوية المكان وهو ما يشير إليه كتاب دمشق التاريخ روتليدج طبعة ثانية منقحة 2019 للمؤلف روس بيرنز وهو مؤلف تاريخي عمراني يتتبع تطور مدينة دمشق من العصور القديمة حتى العصر الحديث مع فصول عن العمارة التقليدية والتحولات العمرانية في القرن العشرين ويوضح المؤلف كيف شهدت البيوت تحولات جذرية من البيت التقليدي الذي يتمركز حول الفناء الداخلي إلى الأبنية السكنية الحديثة القائمة على الشقق مدفوعة بمجموعة من العوامل التي فرضت واقعا جديدا حيث دفعت الزيادة السكانية وارتفاع أسعار الأراضي في المدن إلى اللجوء لحلول أكثر كفاءة في استغلال المساحة من خلال التوسع العمودي كما ساهمت العوامل الاقتصادية في هذا التوجه حيث أصبح بناء الشقق السكنية خيارا أكثر جدوى من الناحية المادية للمطورين والسكان على حد سواء وعلى الصعيد الاجتماعي أدت التحولات في بنية الأسرة إلى تفضيل مساحات سكنية أصغر تناسب الأسر النووية وكذلك على المستوى التقني إذ مكن اعتماد مواد بناء حديثة مثل الإسمنت المسلح من إنشاء أبنية متعددة الطوابق وهو ما لم يكن ممكنا بالتقنيات التقليدية وبذلك عكست هذه التطورات الانتقال من قيم الخصوصية التقليدية إلى متطلبات الحياة العصرية وإن أدت في بعض الأحيان إلى فقدان جزء من الهوية المعمارية الأصيلة للمدينة عمارة الريف لم تكن التحولات المعمارية مقتصرة على المدن بل امتدت لتشمل الريف السوري أيضا الذي تميزت بيوته التقليدية باستجابتها لمتطلبات البيئة والوظيفة فكان تصميمها التقليدي مرتبطا بشكل وثيق بالبيئة والمناخ والموارد المتاحة في المنطقة والمواد المستخدمة في البناء محلية في الغالب مثل الطين والحجر والخشب بحسب مصادر عديدة منها العمارة وتطور البيت الريفي 2009 لغالب المير غالب استبدل مفهوم الفناء الداخلي بمساحات خارجية محدودة مثل الشرفة وكان للبيت الريفي السوري نماذج متنوعة منها البيوت الطينية القبابية التي انتشرت في مناطق السهول مثل ريف حلب مصنوع من الطين بشكل مخروطي ويتسم بقدرته على توفير عزل حراري طبيعي وانتشرت أيضا البيوت الحجرية في المناطق الجبلية مثل الساحل السوري وجبل العرب وبعضها مبنية من طابقين يستخدم الأرضي للتخزين أو لتربية الحيوانات والعلوي للسكن وهناك بيوت الغمس التي انتشرت في مناطق مثل حماة وريفها وهي مغموسة في الأرض لتوفر حماية من العوامل الجوية وتميزت بشكل مستطيل مقسم إلى غرف مستقلة يقابلها أرض ديار يحتوي على بئر وتنور الفرن الطيني غالبا ما يقع في الجهة المقابلة للبناء لكن مع دخول مواد البناء الحديثة مثل الإسمنت والطوب بدأ النمط المعماري للبيوت الريفية يتغير جذريا ما أدى إلى انقطاع العلاقة بين تصميم المسكن ومحيطه الطبيعي حيث أصبحت البيوت الريفية الجديدة تشبه نظيراتها في المدن متجاهلة التقنيات المحلية التي كانت توفر تكييفا طبيعيا وملاءمة فريدة للمناخ قفزة حضرية سابقة وقد شهد البيت الدمشقي بطرازه المعماري المعروف تطورا سابقا بين القرنين السابع عشر والثامن عشر تتعلق بتصميمه فقد صغرت مساحة الساحة الداخلية على حساب توسيع غرف المنزل وتصميم النوافذ في الطابق العلوي والزخارف والنقوش التي تأثرت بالفن العثماني