في الحداد الأصلي

٩ مشاهدات

في الحداد الأصلي

زوايا

نجوى بركات

/> نجوى بركات كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف كيف تكتب رواية 12 اغسطس 2025 alt="Paul-Claude Racamier"/>+ الخط -

عام 1992، نشر المحلّل النفسي الفرنسي بول كلود ركامييه (1924 - 1996) كتابه عبقرية الأصول، وهو الباحث الذي عُرف بمساهماته الرائدة في فهم الذُّهان، والنرجسية المرضية، والبُنى العائلية اللاواعية، كما أنه يُعدّ من أبرز المجدّدين في التحليل النفسي، وقد كان من الأوائل الذين ربطوا بين التجربة الفردية والتفاعلات النفسية العائلية والمؤسّساتية. في هذا الكتاب، سعى ركامييه إلى فهم ما يجعل النمو النفسي للفرد ممكناً، أو مستحيلاً، من خلال طرح ما سماها الطوبوغرافيا التفاعلية، أيّ قراءة الديناميات النفسية في بعدها الخاصّ بالعلاقة بين الذوات، داخل الأسر والمؤسّسات. ومن المفاهيم التي قدّمها، مفهوم الحداد الأصلي بوصفه تجربةً مؤسّسةً تتجاوز الوعي، وتُشكّل جذور تكوين الذات.
والحال أن الحداد الأصلي كما يراه المحلّل الفرنسي، ليس حزناً على ميت، ولا فقداناً لشيء عزيز، بل هو العمل النفسي الأول الذي يتيح للإنسان أن يتكلّم، ويرغب، ويتعايش مع الآخرين، إثر فقدانه وهم الكمال، والتخلّي عن رغبة الاندماج الكلّي بالأمّ، ووداع عالم بلا نقص وبلا وجود الآخر. فالقبول بهذه الخسارة الأولى، غير المرئية، هو ما يسمح بظهور الرموز، الكلام والرغبة، ومن دون هذا الحداد، لا تولد الأنا، بل تبقى عالقةً في انصهار بدائي، وفي رفض عنيف لأيّ اختلاف.
وبالنظر إلى عالمنا اليوم، ثمّة سؤال يطرح نفسه: هل ما زال بمقدورنا القيام بهذا الحداد، أم أننا بتنا نعيش في زمنٍ يرفض كلّيةً الخسارة، وينكر النقص، ويطرد الاختلاف؟ اليوم، بات العالم يريد كلّ شيء، في الحال، بلا تأخير، بلا فاصل، وبلا وجود آخرين. رفضنا الجماعي لهذا الحداد البدئي أو الأصلي يتجلّى في الحروب المتواصلة، في صعود الخطابات المتطرّفة والشاشات التي تبثّ صوراً لجثث مشوّهة وخطباً ملغومةً بالكراهية، وأيضاً في عجزنا الجماعي عن تحويل الألم إلى معنى. اليوم، نحن نشهد عودة الواقع العاري، كما لو أنّ العالم بأسره ينزلق نحو نوع من الذهان الجمعي، حيث يُرفَض

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم