تجويع وليست مجاعة
تجويع وليست مجاعة
زوايا /> سمر يزبك كاتبة وروائية وإعلامية سورية 05 اغسطس 2025 alt="سلاح التجويع"/>+ الخط -في زمن السيادة المعولمة، يخنق شعبٍ كامل بإدارة الجوع، وتقنين الدواء، وتنظيم الخوف تحت سقف القوانين. المجاعة ليست مشهداً بدائياً ناتجاً عن فوضى الطبيعة، إنها أداة هندسية دقيقة تُستعمل لتحقيق أهداف سياسية وتُنفّذ بتقارير رسمية وموازنات دولية. حين تُصبح الحياة خاضعة لتوقيع، يتحوّل الخبز قراراً أمنياً، ويأخذ السكوت شكل ردّة فعل محسوبة. جيش الاحتلال الإسرائيلي يتحكّم في الأرض والسماء، ويضبط الغذاء كما يضبط حركة المرور في نقاط التفتيش. ضبّاطه يقرّرون من يدخل المعبر، ومتى تمرّ الشحنة، وكم دقيقة يُنتظَر قبل فتح الباب. الإدارة العسكرية تُشرف على توقيت الجوع وتُمسك بالخريطة الأمنية. الجنود لا يطلقون النار دائماً، يُمسكون الخبز بالحساب، ويحوّلون الطابور اختباراً للبقاء. الحكومة الإسرائيلية تُنظّم الحصار عبر قرارات رسمية ومداولات موثّقة. الجائع الفلسطيني يخضع لمعادلة مرسومة، ويعيش ضمن شروط تحدّدها الموافقة. الجيش يُدير المجاعة ملفّاً سياسياً طويلَ الأمد، ويُخضعها للإحصاءات والموافقات. ما تُسمّى إدارة المساعدات الإنسانية تعني إدارة لدرجات الموت.
الفلاح الأوكراني في ثلاثينيّات القرن الماضي كتب في زمن المجاعة لأنه لم يجد ما يقوله سوى الصمت. اللغة انهارت أمام سلطة الجوع. في غزّة، الفلسطيني يختار السكوت حين يدرك أن العالم لا ينوي الإصغاء. توقّفت الأمّ عن الكلام بعد أن جرّبت كلّ الكلمات ولم يُجب أحد. الطفل لم يعد يصرخ لأن جسده أضعف من البكاء. المجتمع الدولي لا يُخرس الناس، يتجاهلهم حتى يتواروا. الأمم المتحدة تقرأ تقاريرها بصوت رتيب، والناس يموتون من دون أن يسمعهم أحد. إسرائيل تدرك أن الصوت مقاومة، وتحاصر الحناجر. الفلسطيني يصمت لأنه يعرف أن اللغة لا تفتح باباً، والأبواب تُغلق في وجهها. في حصار سراييفو، تعلّم العالم أن الحصار لا يحتاج جدراناً، بل نيّات واضحة. القناصون تمركزوا على التلال، والخبز صار مخاطرة، والماء اختُزن في الذاكرة. أربع سنوات من القنص والقصف والخذلان، والعالم راقب المدينة تُقصف ببطء، كما يراقب لوحة سريالية تتفسّخ أمامه من
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على