هل فقدنا دور المدرسة تحت وطأة ضغوط النسب الموزونة للقبول الجامعي
في الوقت التي يُفترض فيه أن يبلُغ التعليم الثانوي ذروته ونضجه وتأثيره على الطلاب، حيث تتفتّح مداركهم، وتتّسع آفاقهم، وتُصقل مهاراتهم في التفكير والتحليل والاستنتاج والاستدلال؛ انزلقت منظومة التعليم، بطريقة تدريجية بطيئة، إلى اختزال هذه الرحلة التعليمية الممتعة الممتدة لسنوات، في رقمين ناتجين عن اختبارين لا يتجاوز وقت الإجابة عليهما سوى بضع ساعات في نهاية المرحلة الثانوية. إنهما اختبار القدرات واختبار التحصيلي، حيث صُمّما، في أصلهما، لضمان قَدْر من العدالة الموضوعية في القبول الجامعي، لكنهما أصبحا مع مرور الوقت اللاعب الأكثر تأثيرًا في تحديد مستقبل الطالب، وتحوّلت المدرسة إلى خلفيّة باهتة في مشهد يزداد فيه اختزالها عاماً بعد عام.
كيف وصلنا إلى هذا التحوّل؟ وكيف أُقصيت المدرسة، بكل تاريخها الممتد وممارساتها التربوية، لتكون في هامش سجلات التعليم؟ إنها قصة مأساة صامتة، تُكتب كل عام بحبر يشبه في هشاشته حبر الفواتير الورقية لدى المحلات التجارية الذي يُطمس بسهولة، له ماله وعليه ما عليه من الآثار .
لعلي أبدأ مقالي بفكرة جوهرية، وهي: أن التعليم العام بكل مراحله ومكوناته يُعدّ الوسيلة الأهم والأكثر تأثيراً في المحافظة على الهوية والثقافة والقيم الاجتماعية وسياقها المتّزن الذي يميّز الدول؛ وهو أيضاً، الوسيلة الوحيدة والأهم على الإطلاق لبناء جيلٍ واعٍ منتجٍ له بصمته وتأثيره في بناء الاقتصاد وازدهاره. عندما تنفق الدول مئات المليارات على التعليم العام سنوياً، فإنها تسعى إلى الاستثمار في عقول أجيالها لتحقيق غايات عظمى؛ بعضها جليّ، وبعضها خفيّ، لكنها تسعى بكل مكوناتها ومواردها إلى تحقيق أكبر عائد ممكن على المستوى الوطني والفردي. وتأتي المدرسة باعتبارها الوحدة المؤسسية الرئيسة للاستثمار في وضع اللبنات الأساسية لبناء وتنمية رأس المال البشري لتحقيق ذلك. وتأتي المدرسة الثانوية في الحلقة الأخيرة من سلسلة مراحل التعليم العام، وتحتضن الطالب في لحظات بداية نضوجه العقلي، وتفتحه الفكري، وبناء نموذجه المعرفي، وتشكّله الشخصي، وبناء قيمه واتجاهاته وميوله، وتحتضنه في لحظات انطلاق شرارة الاكتشاف والبحث والتقصّي، وتشكّل الوعي بذاته وعالمه المحيط به؛ ثم يأتي
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على