اخبار وتقارير كيف حول الجنوبيون نكبة 7 يوليو إلى ثورة وانتصارات يخلدها التاريخ
عرب تايماخبار وتقارير كيف حول الجنوبيون نكبة 7 يوليو إلى ثورة وانتصارات يخلدها التاريخ في الثاني والعشرين من مايو عام 1990 شهد اليمن حدثا تاريخيا تمثل بإعلان الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب في خطوة أثارت آمال اليمنيين بوطن موحد تسوده العدالة والشراكة المتكافئة لكن سرعان ما تبين أن هذه الوحدة لم تكن سوى فخ سياسي خطط له نظام صنعاء لاجتياح الجنوب والسيطرة عليه حيث بدأ الطرف الشمالي مباشرة بعد الوحدة بالتآمر على شركائه الجنوبيين ومارس سياسة الإقصاء والتهميش متخليا عن كل التزاماته في اتفاقيات الوحدة بدأت مؤشرات الانقلاب مبكرا حين شنت أطراف في الشمال وعلى رأسها حزب الإصلاح الواجهة السياسية للإخوان المسلمين حملات تحريض دينية ممنهجة ضد الجنوبيين وصورتهم كـ ملحدين و انفصاليين لتبرير استهدافهم في الوقت نفسه شهد الجنوب موجة اغتيالات سياسية طالت مئات القادة والضباط والكفاءات الجنوبية خلال أعوام قليلة دون أي تحقيق أو مساءلة واستكملت المؤامرة عبر إقصاء الكوادر الجنوبية من مواقع القرار وفرض واقع جديد قائم على السيطرة والتهميش توالت الخروقات وبلغت ذروتها بالتنصل الكامل من وثيقة العهد والاتفاق الموقعة في عمان عام 1994 والتي كانت بمثابة محاولة أخيرة لإنقاذ مشروع الوحدة لكن صنعاء اختارت الحرب وأعلنت رسميا في 27 أبريل 1994 شن عدوان شامل على الجنوب تمهيدا لاجتياحه بالقوة وفي 7 يوليو 1994 سقطت العاصمة الجنوبية عدن بيد قوات الشمال بعد أسابيع من القصف العشوائي والمعارك الضارية لتبدأ مرحلة الاحتلال اليمني للجنوب لم تكن مجرد سيطرة عسكرية بل رافقها جرائم وحشية بحق المدنيين وعمليات نهب ممنهجة طالت البنوك والمؤسسات والمرافق العامة والخاصة إضافة إلى تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة الجنوبية وطمس كل مقومات الهوية الوطنية الجنوبية عقب ذلك عاش الشعب الجنوبي عقودا من القهر والتسلط حيث تعرض الآلاف للتسريح القسري من مؤسسات الدولة وجرى نهب ثروات الجنوب من نفط وغاز وأراض وتحول المواطن الجنوبي إلى غريب في وطنه مجرد من الحقوق تحت وطأة حكم استبدادي غاشم غير أن هذا الظلم لم يدفع الجنوبيين إلى الاستسلام بل فجر فيهم روح المقاومة فكانت انطلاقة الحراك السلمي الجنوبي عام 2007 بمثابة زلزال هز أركان نظام الاحتلال وأعاد بعث القضية الجنوبية إلى الساحة بقوة وسلمية رغم ما واجهه من قمع ودماء ومع اجتياح ميليشيات الحوثي وقوات صالح للجنوب في 2015 انفجرت المقاومة الجنوبية المسلحة فهب أبناء الجنوب للدفاع عن أرضهم وهويتهم حتى تمكنوا من تحرير عدن وبقية المحافظات الجنوبية مؤكدين أن الجنوب لا يمكن أن يحكم بالقوة أو يدفن قضيته بالتهميش الشراكة المغدورة كيف خطط الطرف الشمالي لاستهداف الجنوب منذ اللحظة الأولى لإعلان الوحدة بدأ نظام صنعاء بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح بالتراجع عمليا عن كل ما تم الاتفاق عليه وسعى بوضوح إلى السيطرة على مفاصل الدولة وتهميش الشريك الجنوبي كانت نوايا الشماليين واضحة فقد استخدموا الوحدة كغطاء لضم الجنوب لا للتوحد معه ظهرت بوادر التآمر مبكرا حين تم تسليم مؤسسات الدولة في صنعاء للعناصر الموالية للنظام الشمالي وبدأت الكوادر الجنوبية تستبعد واحدة تلو الأخرى من مفاصل القرار ومع مرور الوقت ارتفعت وتيرة التحريض الممنهج على الجنوب أطلقت قيادات دينية تابعة لحزب الإصلاح الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن حملات تكفير وتحريض دينية ضد الجنوبيين حيث أشيع أن الجنوب منطقة إلحاد وشيوعية وأن قتالهم جهاد ما مهد نفسيا وشرعيا لدى فئات واسعة في الشمال لتقبل فكرة الحرب والاستيلاء بالقوة على أرض الجنوب بالتزامن مع ذلك بدأت حملة اغتيالات ممنهجة ضد الكوادر الجنوبية طالت سياسيين وعسكريين وأكاديميين وصحفيين وبحسب تقارير حقوقية فإن عدد الاغتيالات المنظمة التي طالت الجنوبيين في تلك الفترة تجاوز 150 عملية اغتيال نفذها مجهولون لم يقدم أي منهم إلى العدالة كل ذلك كان يحدث في ظل صمت حكومي مطبق بل وتواطؤ مكشوف من أجهزة الأمن اليمنية التي كانت تدار فعليا من صنعاء في مطلع عام 1994 حاول الجنوبيون تجنيب البلاد حربا شاملة عبر توقيع وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية عمان والتي نصت على إعادة هيكلة الدولة وتوزيع السلطات بشكل عادل لكن النظام اليمني تعامل مع الوثيقة كمجرد استراحة تكتيكية ليكمل بعدها الاستعدادات العسكرية لشن الحرب على الجنوب وفي السابع والعشرين من أبريل 1994م أعلن النظام اليمني الحرب رسميا على الجنوب اندفعت القوات الشمالية مدعومة بالقبائل المسلحة وعناصر دينية متطرفة نحو حدود الجنوب كانت جبهات القتال تشتعل في الضالع ويافع ولحج وأبين بينما الطيران الحربي الشمالي يقصف المواقع العسكرية والمدن الجنوبية بلا رحمة لم تمض أسابيع حتى أصبحت المعركة في قلب عدن التي كانت تقاوم ببسالة رغم ضعف الإمكانات قصفت الطائرات محطات المياه والكهرباء والمستشفيات وسقط مئات المدنيين وتعرضت الأحياء السكنية للقصف العشوائي كل هذا يحدث أمام صمت دولي مخجل واكتفاء المجتمع الدولي بإصدار بيانات الدعوة إلى وقف إطلاق النار دون أن تتحرك إرادة حقيقية لمنع سقوط دولة كانت عضوا في الأمم المتحدة قبل الوحدة وفي صباح السابع من يوليو 1994م سقطت عدن دخلت قوات الشمال المدينة ومعها الميليشيات الدينية والمسلحون القبليون في مشهد يشبه الغزو لم يكن ما حدث دخول جيش وطني إلى أرض موحدة بل كان احتلالا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى عقب سقوط عدن بدأ فصل جديد من المعاناة تم نهب المؤسسات الحكومية وتفريغ المعسكرات وسرقة البنوك والمرافق العامة تحولت مقرات الدولة إلى غنائم حرب دمرت الوزارات وأحرقت الملفات ونهبت محتويات المتاحف والمكتبات أما الكوادر الجنوبية فقد تم تسريحها جماعيا وأحيل عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين إلى التقاعد القسري على المستوى السياسي تم تغييب الجنوب تماما من المشاركة في صنع القرار أصبح أبناء الجنوب يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة في وطنهم بعد أن كانوا شركاء في تأسيس الوحدة أقصي المثقفون وأغلقت الصحف الجنوبية وتم تغيير المناهج الدراسية لطمس الهوية الوطنية الجنوبية من عقول الأجيال الجديدة لم تتوقف الكارثة هنا بل تعمق الجرح مع مرور الوقت فقد استبيحت ثروات الجنوب ونهب النظام ثرواته النفطية والغازية وحولها إلى مراكز القوى في صنعاء بينما بقي الجنوب يعيش في فقر وحرمان تحولت عدن التي كانت ميناء دوليا إلى مدينة مهمشة منهكة الخدمات وانهارت منظومة التعليم والصحة وغابت الدولة وحضر الفساد والاستبداد بكل تجلياته جرائم محفورة في قاع الذاكرة الجنوبية لم يمر على إعلان الوحدة اليمنية سوى شهور حتى بدأت مؤشرات الغدر والخيانة بالتكشف وظهرت النوايا الخبيثة لنظام صنعاء ومخططاته القذرة التي استعد لها مسبقا حيث تم تهميش الكوادر الجنوبية في المؤسسات السيادية منذ الأيام الأولى وبدأ واضحا أن الرئيس علي عبدالله صالح وأركان نظامه يعملون على إحكام قبضتهم على موسسات الدولة وإقصاء شركاء الوحدة عن مواقع صناعة القرار في الجيش أزيح العديد من القادة العسكريون الجنوبيون من مناصبهم وأبعدوا من قيادة الألوية رغم كفاءتهم العالية وتأهيلهم العسكري واستبدلوا بقادة شماليون يفتقدون لأدنى درجات الكفاءة والتأهيل كما دمجت المؤسسات المدنية والعسكرية بشكل غير متوازن صب في مصلحة الطرف الشمالي وتحولت صنعاء إلى مركز القرار الوحيد وتم تعطيل معظم المؤسسات الحكومية في الجنوب أو نقلها إلى الشمال أقصي أكثر من 60 من الوزراء الجنوبيين و80 من القيادات الإدارية خلال أول ثلاث سنوات فأصبح مجرد مكمل جغرافي دون أي تأثير سياسي حقيقي خلافا لكل مواثيق وقوانين الوحدة التي نصت على الشراكة المتساوية بين الطرفين دماء مهدورة وحقوق مسلوبة وفتاوى تبيح إبادة الشعب الجنوبي تزامنت عملية الاقصاء وابعاد القادة الجنوبيين من مناصبهم مع حملات التحريض والتكفير الديني من منابر المساجد التي يسيطر عليها حزب الإصلاح شهدت تلك الفترة اغتيالات صامتة طالت ناشطين ضباطا وقادة سابقين في دولة الجنوب كما تم تكميم الأفواه بمنع صدور أي صحيفة تتحدث عن القضية الجنوبية وأغلقت الصحف المستقلة وفرضت رقابة صارمة على الإعلام في الوقت نفسه أغلق ملف الاغتيالات التي طالت شخصيات وقيادات جنوبية دون فتح أي تحقيق أو محاسبة جرى تصوير الجنوبيين على أنهم شيوعيون وكفار يستحقون القتل وتم إصدار فتاوى دينية تعتبر الحرب عليهم جهادا توجت هذه الحملة التحريضية بفتوى التكفير التي أطلقها الداعية الإخواني عبد الوهاب الديلمي والتي بثتها وسائل الإعلام الرسمية وأباح فيها قتل الشعب الجنوبي مؤكدا أن الكثير من الكفرة والملحدين يتواجدون بين المواطنين وأن قتلهم أهون من ضياع الإسلام وسقوط الوحدة اليمنية كانت تلك الفتاوى تمهيدا نفسيا لتبرير الحرب والقتل ومكنت النظام من الزج بالآلاف من المسلحين العقائديين في صفوف الجيش القادم لغزو الجنوب ومنهم آلاف من العائدين من أفغانستان أو ما يطلق عليهم الأفغان العرب في 27 أبريل 1994 أعلن النظام اليمني الحرب رسميا على الجنوب وانطلق الغزو البربري بقصف جوي ومدفعي عنيف للمناطق الجنوبية المأهولة بالسكان من شبوة إلى الضالع وعدن ثم الزحف البري بمئات الآلاف من الجيش والقوى الدينية ومليشيات القبائل المتعطشين للسلب والنهب والإرهابيين العائدين من أفغانستان واستمرت الحرب حتى 7 يوليو 1994 سقطت عدن بعد 65 يوما من القتال والقصف العشوائي الذي طال الأحياء السكنية والمستشفيات والبنية التحتية ووفقا لتقارير هيومن رايتس ووتش فإن عدد القتلى المدنيين في عدن فقط تجاوز 5000 قتيل وأكثر من 10 0000 نازح تم قصف خزانات المياه ومحطات الكهرباء وانتشر الجفاف وانهارت الخدمات العامة فيما عمت الفوضى عمليات النهب التي قامت بها وحدات عسكرية ومليشيات قبلية حتى البنك المركزي في عدن مقار الوزارات المؤسسات الإعلامية المتاحف والمكتبات نهبت بشكل منظم بعد الحرب بدأ فصل جديد من الإجرام عبر التصفية الإدارية والتقاعد الإجباري لكل الكفاءات الجنوبية وتم إحالة أكثر من 100 ألف موظف جنوبي للتقاعد القسري دون مستحقات وتسريح أكثر من 70 ألف ضابط وجندي من جيش الجنوب السابق فرض الاحتلال قيادات شمالية على جميع المرافق الحكومية الجنوبية وغيب بشكل ممنهج كل الكوادر الجنوبية المؤهلة وأصبح الغزاة اليمنيين يتحكمون بكل شيء في الجنوب ويمارسون أبشع جرائم الفساد والنهب بدون أن يردعهم أي قانون أصبح الجنوب بمثابة مستعمرة داخل الدولة تنهب ثرواته ويهمش أهله ويقصى أبناؤه عن المناصب بينما تصدر أبناء الشمال كل مفاصل السلطة والثروة حيث نهبت أراضي ومؤسسات الجنوب وتم توزيعها كمكافآت للقيادات الشمالية العسكرية والسياسية وشيوخ القبائل وقادة القوى الدينية بل إن الموارد السيادية للدولة كالموانىء وحقول النفط والمصانع لم تسلم فتم توزيعها وتقاسمها بين شركاء الاحتلال وتجار الحرب جرى نهب منظم لثروات الجنوب النفطية والغازية من شبوة وحضرموت وتحويل إيراداتها إلى صنعاء ورغم أن أكثر من 80 من إنتاج النفط اليمني كان من الجنوب إلا أن محافظاته كانت تعيش في فقر مدقع مع تردي الخدمات الصحية والتعليمية وانعدام مشاريع التنمية ميناء عدن الذي كان من بين أهم الموانئ في العالم جرى تهميشه عمدا وتوقيع اتفاقات مدمرة لإفراغه من دوره لصالح موانئ أخرى يديرها مقربون من النظام طمس الهوية الجنوبية وتدمير التاريخ منذ اجتياحه للجنوب في صيف 1994 لم يكتف نظام الاحتلال اليمني بإسقاط العاصمة عدن والسيطرة العسكرية على الأرض بل شرع فورا في تنفيذ مخطط أعمق وأخطر هدفه الحقيقي لم يكن فقط إخضاع الجنوب سياسيا بل اقتلاع جذوره ومحو هويته وطمس كل ما يرمز إلى تاريخه المستقل ودولته التي سبقت في التنظيم والتقدم في لحظة الاجتياح بدأ استهداف ممنهج لمؤسسات الدولة الجنوبية فتم تفكيك الوزارات ونهب الوثائق والسجلات الرسمية وإحراق محتويات الأرشيف الوطني وتفريغ الإدارات من الكوادر الجنوبية المؤهلة كثير من قادة ومهندسي النظام الجنوبي أبعدوا قسرا وأحيلوا إلى التقاعد أو السجن أو التصفية في حين جرى إحلال عناصر من الشمال لا تمتلك أدنى مؤهلات القيادة أو الكفاءة سوى الولاء لنظام صنعاء لم يتوقف الاستهداف عند حدود مؤسسات الدولة بل امتد إلى كل ما يعبر عن الكيان الجنوبي جرى إلغاء أسماء الشهداء والقادة الجنوبيين من الشوارع والساحات وتغيير أسماء المدارس والمعسكرات حتى يتم نزع ذاكرة الجنوب من جذورها مكتبات عدن جردت من كتبها والإعلام الرسمي حول إلى بوق لترويج فكر الهيمنة فيما حظرت كل الأصوات التي تدافع عن الهوية الجنوبية وتم مطاردة الصحفيين والناشطين وإسكاتهم بالقوة أما المعالم الأثرية والتاريخية التي شكلت شواهد على تاريخ الجنوب وحضارته فقد تعرضت للإهمال والتخريب المتعمد العديد من القلاع والحصون والمواقع التاريخية مثل حصون لحج ومتاحف عدن وأبواب شبام القديمة جرى إهمالها عمدا أو العبث بمحتوياتها أو استخدامها لأغراض عسكرية حتى النصب التذكارية التي تمثل نضال الجنوب تم تحطيمها أو استبدالها ضمن حملة ممنهجة لمحو الذاكرة الجمعية المشهد الثقافي لم يكن بمنأى عن الاستهداف فتم تهميش المثقفين الجنوبيين وإغلاق المسارح والمراكز الثقافية وطمس الفنون والتراث الجنوبي الذي ظل لعقود عنوانا للتنوير والتقدم حوصرت الأغنية الجنوبية وتم التضييق على كل ما يعكس روح الجنوب وتنوعه وهويته الوطنية وكلما ارتفع صوت جنوبي يطالب بإعادة الاعتبار لتاريخ الجنوب وخصوصيته كان الرد الأمني جاهزا قمع اعتقال مداهمات وتشويه إعلامي ممنهج وحتى المقرات القديمة للدولة الجنوبية السابقة جرى الاستيلاء عليها وتحويلها إلى مراكز تابعة لنظام صنعاء أو تركها مهجورة لتنهار أمام مرأى الجميع كرمز لانهيار الكيان ورغم كل تلك المحاولات المحمومة لم ينجح الاحتلال في محو هوية الجنوب لقد قاومها الشعب عبر الذاكرة الشعبية وعبر الجدران التي خطت شعارات الاستقلال وعبر الأمهات اللاتي روين لأطفالهن حكاية الدولة المغدورة وعبر الحراك الجنوبي الذي فجر في عام 2007 انتفاضة الهوية رافعا راية الاستقلال في وجه كل محاولات الطمس والتشويه لقد أراد الاحتلال أن يجعل الجنوب مجرد إقليم تابع بلا ملامح فصمد الجنوب وأثبت أنه وطن كامل لا يمحى بتغيير أسماء ولا تنسى هويته بتدمير آثار ولا تلغى دولته بمجرد اجتياح فالتاريخ حي في القلوب والمعالم سترمم والدولة ستبعث من بين الركام لأن الشعوب لا تموت والهوية لا تغتال مهما طال ليل الاحتلال وحدة بلا جذور كيف انهارت قبل أن تقف على أقدامها وقعت اتفاقية إعلان الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب والجمهورية العربية اليمنية في الشمال في لحظة بدت لكثيرين واعدة بتحقيق حلم طالما راود اليمنيين خاصة في ظل ما مثله الحدث من نهاية لحقبة الانقسام السياسي بين النظامين المختلفين أيديولوجيا غير أن تلك اللحظة التي هلل لها الإعلام الرسمي آنذاك سرعان ما تحولت إلى نقطة انطلاق لسلسلة من الأزمات انتهت بتفجر الحرب الأهلية في صيف 1994 وما تلاها من عقود من الصراع دفعت الكثيرين إلى وصف الوحدة بالفاشلة واعتبارها احتلالا فرضه الشمال بالقوة على الجنوب فشل الوحدة لم يكن وليد لحظة واحدة بل نتاج تراكمات سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية بدأت منذ الأيام الأولى لإعلان الوحدة حين اصطدمت آمال التوحيد بنزعة التفرد والاستحواذ التي أظهرها نظام صنعاء وسعيه لفرض نموذج الدولة المركزية على حساب التفاهم والتقاسم الحقيقي للسلطة والثروة فعلى الرغم من أن اتفاقية الوحدة نصت على فترة انتقالية يتم خلالها إعداد دستور دائم وتقاسم المناصب بين الطرفين إلا أن ما حدث على أرض الواقع كان مختلفا حيث جرى تهميش القيادات الجنوبية والتعامل مع المؤسسات الجنوبية كغنائم ما أدى إلى تعميق الشعور بالخذلان لدى الجنوبيين في السنوات الأولى بعد إعلان الوحدة شهد الجنوب حملة منظمة لتصفية الكوادر العسكرية والأمنية والإدارية التي كانت تنتمي للنظام الجنوبي السابق إما بالتقاعد القسري أو الإقصاء أو حتى الاغتيال وترافقت هذه الحملة مع سياسات ممنهجة لتجريف الاقتصاد الجنوبي من خلال خصخصة مؤسسات الدولة وبيعها لرجال أعمال مرتبطين بنظام صنعاء ونهب الأراضي الحكومية والخاصة خاصة في عدن وحضرموت ولحج وأبين ولم تقف هذه الممارسات عند حدود الاقتصاد والإدارة بل تعدتها إلى العبث بالهوية الثقافية والتعليمية والإعلامية للجنوب عبر فرض المناهج الموحدة وتهميش التاريخ الجنوبي وتغييب الرموز الوطنية الجنوبية من الذاكرة الجمعية سياسيا لم تدم تجربة التعددية الحزبية طويلا إذ سرعان ما تحولت الحياة السياسية إلى ساحة صراع دموي خاصة بعد أحداث 1993 التي عكست عمق الخلاف بين الشريكين في الوحدة وتجلت بشكل واضح في ما عرف بأزمة وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت في الأردن مطلع 1994 كحل توافقي لتجنب الحرب غير أن تلك الوثيقة لم تنفذ وبدلا من تطبيق بنودها بدأ نظام صنعاء بالتحضير عسكريا لاجتياح الجنوب وهو ما تحقق بالفعل بعد أشهر قليلة من توقيع الوثيقة عندما اندلعت الحرب في مايو 1994 وانتهت في السابع من يوليو من العام نفسه بسقوط الجنوب بيد قوات الشمال منذ ذلك التاريخ لم تعد الوحدة مشروعا وطنيا جامعا بل أصبحت في نظر معظم الجنوبيين احتلالا عسكريا فرض بقوة السلاح وتحولت المدن الجنوبية إلى مناطق ملحقة إداريا واقتصاديا بصنعاء في حين جرى تهميش أبنائها ونهب مواردهم وتمكين قوى النفوذ من بسط سيطرتها على الأرض والثروة وبمرور الوقت تصاعدت الدعوات المطالبة بفك الارتباط لتتحول إلى حراك شعبي واسع انطلق عام 2007 قاده متقاعدون جنوبيون ومسؤولون سابقون قبل أن يتوسع ويشمل كافة شرائح المجتمع وينادي باستعادة الدولة الجنوبية المستقلة الأحداث التي تلت العام 2011 وما شهدته من انتفاضات سياسية ثم الحرب التي اندلعت عام 2015 شكلت نقطة تحول مفصلية في مسار القضية الجنوبية إذ أدى الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة في صنعاء وسيطرة الميليشيات الحوثية على شمال اليمن إلى إنهاء ما تبقى من صلة حقيقية بين الجنوب والشمال ووجد الجنوبيون أنفسهم في مواجهة تحديات جديدة دفعتهم إلى إعادة تنظيم صفوفهم عبر تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان سياسي يمثل تطلعاتهم ويعمل على استعادة الدولة الجنوبية إن فشل الوحدة اليمنية لم يكن حتمية تاريخية بل نتيجة حتمية لسلوك سياسي عدواني تبناه نظام صنعاء منذ اللحظة الأولى سلوك قائم على النهب والإقصاء لا على الشراكة والعدالة واليوم وبعد أكثر من ثلاثة عقود على إعلان الوحدة ومرور أكثر من عقد على اندلاع ثورة الجنوب تتكرس القناعة لدى الجنوبيين بأن الوحدة فشلت لأنها ولدت من دون أسس صحيحة وتمت إدارتها بعقلية استعلائية تجاهلت حقوق الجنوب وتضحيات أبنائه وانتهت إلى ما انتهت إليه صراع مفتوح وشعب يسعى لاستعادة دولته من تحت ركام وحدة لم تأت له بشيء سوى الحرب والدمار من تحت الركام الجنوب ينتفض في واحدة من أكثر الملاحم النضالية تعقيدا وطولا في تاريخ اليمن المعاصر استطاع الشعب الجنوبي أن يشق طريقه نحو التحرر متحديا القبضة الحديدية لقوى الاحتلال اليمني التي فرضت سيطرتها على الجنوب بقوة السلاح منذ صيف 1994م عقب حرب شنتها صنعاء لإجهاض حلم الجنوبيين في استعادة دولتهم ولتحويل الوحدة من شراكة إلى غلبة ومن اتفاق سياسي إلى سيطرة عسكرية شاملة منذ الأيام الأولى لسقوط الجنوب لم تنطفئ جذوة المقاومة في قلوب أبنائه وإن بدت تلك المرحلة قاتمة ومحاطة بجدران الخوف والملاحقة والإقصاء فالأجهزة الأمنية التي تمددت في كل زاوية والقوى القبلية والعسكرية التي استباحت مؤسسات الدولة وأراضي المواطنين خلقت واقعا خانقا أرادت من خلاله قوى الشمال إخماد أي صوت جنوبي يطالب بالكرامة أو الهوية أو الحقوق لكن الشعب الجنوبي وعلى الرغم من محاولات الإذلال والإفقار بدأ منذ وقت مبكر في بناء وعي جديد يرفض الاحتلال ويؤمن بحتمية الخلاص كانت انتفاضة المتقاعدين العسكريين الجنوبيين عام 2007م شرارة الحراك الجنوبي السلمي حيث خرج آلاف الجنود والضباط المسرحين قسرا إلى الساحات العامة مطالبين بإنصافهم ورفع الظلم عنهم وسرعان ما تحولت تلك الوقفات الحقوقية إلى مظاهرات جماهيرية كبرى ترفع شعار استعادة الدولة الجنوبية ومع اتساع رقعة الغضب الشعبي واجهت سلطات الاحتلال هذه التحركات بالقمع والرصاص وسقط العشرات من الشهداء في ردفان والضالع وعدن وحضرموت ولحج وأبين لكن دماءهم لم تذهب سدى بل عمقت روح المقاومة وأسست لحراك سياسي شعبي واسع غير موازين المعادلة القائمة رغم افتقار الحراك الجنوبي في بداياته للغطاء الإقليمي والدولي إلا أن صموده وتوسعه منح القضية الجنوبية شرعية شعبية صلبة وفرضها على طاولة النقاش المحلي والدولي خصوصا بعد أن بات واضحا أن ما جرى في 1994 لم يكن وحدة بل اجتياحا بالقوة وتوالت بعد ذلك مراحل النضال السلمي من الاحتجاجات المدنية والعصيان المدني إلى الفعاليات المركزية الكبرى التي كانت بمثابة استفتاء شعبي متكرر على خيار استعادة الدولة في عام 2015 شكلت الحرب التي شنتها ميليشيا الحوثي على الجنوب نقطة تحول مفصلية فرغم أن الجنوب كان لا يزال يئن تحت ثقل الاحتلال اليمني بكل فصائله إلا أن أبناءه سرعان ما توحدوا تحت راية الدفاع عن أرضهم فهب الشباب الجنوبيون من مختلف المحافظات وشكلوا مقاومة شعبية خاضت معارك شرسة ضد الغزو الحوثي وسط تواطؤ واضح من قوى النفوذ الشمالي التي لم تدافع عن الجنوب بل سهلت إسقاطه من جديد لكن المعركة كانت هذه المرة مختلفة فقد امتلك الجنوبيون إرادة حديدية وتجربة نضالية وأرضا يعرفونها شبرا شبرا وعقيدة وطنية لا يمكن كسرها وبمساندة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تمكنت المقاومة الجنوبية من دحر الميليشيات الحوثية من عدن ثم من لحج وأبين والضالع وأجزاء من شبوة في معركة تحرر وطني أعادت رسم الجغرافيا والسيادة وبعد الانتصار العسكري بدأ الجنوب مرحلة جديدة في معركته السياسية فتم تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في مايو 2017م ككيان سياسي يمثل تطلعات الجنوبيين ويقود مشروع استعادة الدولة ولم يكن تشكيل المجلس إلا تتويجا لنضالات طويلة وتعبيرا عن نضج سياسي شعبي استطاع أن يترجم الدماء التي سالت إلى مشروع وطني منظم يمتلك مؤسسات وهيئات ويتحدث باسم الجنوب في المحافل الإقليمية والدولية لم يكن طريق التحرير سهلا ولم يكن خاليا من التضحيات فقد واجه الجنوبيون محاولات خبيثة لإعادة إخضاعهم تحت يافطات الشرعية الزائفة وتعرضوا لحملات تشويه وتآمرت عليهم أطراف داخلية وخارجية لكنهم ظلوا صامدين متمسكين بحقهم في الحرية ومؤمنين بأن الجنوب ليس تابعا لأحد ولا يقبل بالاحتلال أو الاستلاب لقد استعاد الشعب الجنوبي حريته لأنه لم ينس قضيته ولم يساوم على كرامته ولأن كل جيل تسلم راية النضال من الجيل الذي قبله مؤمنا أن الكفاح من أجل الوطن لا يخبو وأن إرادة الشعوب لا تكسر مهما بلغت قوة المحتل واليوم وبعد سنوات من المقاومة يقف الجنوب في موقع متقدم يستعيد قراره ويفرض وجوده ويسير بخطى ثابتة نحو الهدف الأسمى استعادة الدولة الجنوبية المستقلة على كامل حدودها المعروفة قبل 22 مايو 1990م الجنوب المحرر سياسيا مثقل بإرث الاحتلال لم تكن حرب صيف 1994 مجرد حدث عسكري عابر في الوجدان الجنوبي بل كانت الشرارة التي فجرت جراحا ما تزال تنزف حتى اليوم وفتحت صفحة سوداء في تاريخ الجنوب المعاصر عنوانها الاحتلال ومتنها القمع وتفاصيلها سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات التي لا تسقط بالتقادم ومنذ أن اجتاحت قوات صنعاء العاصمة عدن وسائر المحافظات الجنوبية بدأت آلة القمع تمارس عملها بدم بارد ظن المحتل أن الزمن كفيل بمحو آثارها لكنه تجاهل أن ذاكرة الشعوب لا تموت وأن الجنوب تحديدا لا ينسى الذاكرة الجنوبية ما تزال تحمل صورا دامغة لما جرى عقب اجتياح الجنوب ففي عدن التي كانت درة التاج تحولت مؤسساتها ومرافقها إلى ثكنات عسكرية ونهبت محتويات الوزارات ودمرت المعالم الثقافية وأقصيت الكوادر المؤهلة وتم استبدالها بعناصر لا تمتلك من الكفاءة شيئا سوى ولائها لصنعاء أما في المعسكرات فقد طالت التصفيات الميدانية ضباطا جنوبيين خدموا الدولة بصدق لكنهم واجهوا الرصاص والغدر لمجرد أنهم جنوبيون الجرائم لم تقتصر على النخب والمؤسسات بل وصلت إلى عامة الناس فآلاف الأسر الجنوبية عانت من التهجير القسري ومصادرة الأراضي والاستيلاء على الممتلكات الخاصة خاصة في عدن ولحج وأبين وامتلأت السجون السرية بأحرار الجنوب وفتحت أجهزة الأمن السياسي والاستخبارات أبوابها لملاحقة كل صوت حر وكل ناشط يرفع شعار الكرامة أو الاستقلال كانت تلك السنوات التي تلت الاجتياح سنوات قهر ممنهج لا يختلف في فظاعته عن أي احتلال أجنبي عرفه التاريخ ومع انطلاق الحراك الجنوبي في 2007 دخلت الذاكرة الجنوبية طورا جديدا من التوثيق الشعبي حيث بدأت الأمهات ترفع صور أبنائهن الشهداء في الساحات واستعاد الناس أسماء المغدورين ورووا حكايات الضحايا وجعلوا من كل فعالية من فعاليات الحراك مناسبة لتجديد العهد بعدم النسيان كانت ميادين النضال تزدان بصور الشهداء ولافتات تطالب بمحاكمة من تسببوا في القتل والسحل والمداهمات الليلية وتدين من أرادوا إذلال الجنوب وتحويله إلى هامش على خريطة لا تمثله لم تنس الذاكرة الجنوبية المجازر التي ارتكبتها قوى الاحتلال في الضالع وردفان والمعلا والمنصورة والمكلا لم تنس جنائز الشهداء التي خرجت تحت نيران القناصة ولم تنس المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب ولم تنس الدماء التي سفكت لمجرد أن أصحابها نادوا بحق تقرير المصير ولم تنس الجنوب أراضيه المنهوبة ولا مصفاة عدن التي شلت ولا ميناءها الذي تم تجفيفه عمد The post POSILINK first appeared on عرب تايم and is written by رامي الردفاني
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على
ورد هذا الخبر في موقع عرب تايم لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا
اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان