نحن الزجاجيون واللامرئيون في نفس الوقت
نحن الزجاجيون واللامرئيون في نفس الوقت
/> محمد صالح مستشار وخبير في التنمية الدولية والتطوير المؤسسي، تركز جهوده وخبراته على إصلاح القطاع العام وتنمية المجتمعات المحلية. أدار وعمل في العديد من المشاريع المموّلة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والاتحاد الأوروبي في مجالات التنمية وسيادة القانون. 29 يونيو 2025 + الخط -في عالم يزداد تَشبُّعًا بالخطابات حول حقوق الإنسان، الأمن، والحرية، يبدو أننا بشر الشرق الأوسط لم نعد نُرى إلا كإحصائية هامشية في نشرات الأنباء، أو كجسم رقمي مكشوف في قواعد بيانات أنظمة المراقبة العالمية. لقد صرنا في آنٍ واحدٍ غبارًا بشريًا، لا مرئيًا، لا يثير الانتباه ولا يستدعي التعاطف، وفي ذات الوقت بتنا مخلوقًا زجاجيًا تُخترق حرمته الرقمية والوجودية بتقنيات حوّلت جلودنا إلى قشرةٍ زجاجيةٍ كاشفة لكلّ بياناتنا تحت ذرائع الأمن ومكافحة الإرهاب وحتى تحسين الخدمات. هذه الازدواجية السريالية، التي تجمع بين الإقصاء الوجودي وانتهاك الحدود الشخصية اللامحدود، تُشكّل مدخلًا لفهم حالة الاستلاب المعاصر في ظلّ منظومة استعمارية متجدّدة تتجاوز الاحتلال العسكري لتشمل الاحتلال الرمزي والرقمي.
كيف يمكن لهذا العالم، مدّعي التحضّر، أن يُقصي مجموعات بشرية كاملة من فضاء التعاطف الأخلاقي، فتتحوّل إلى مجرّد غبار بشري أو مشكلات أمنية. كما ينطبق تمامًا على الشعوب المُستضعفة في منطقتنا، حيث تُمارس القوى الغربية وأذرعها سياسات التشييء والتجريد من الإنسانية، بحيث يصبح القتل الجماعي، والحصار، والتجويع، وانتهاك كلّ الحرمات الإنسانية، كما يحصل في غزّة مجرّد أدوات سياسية لا تُثير حفيظة المنظومة الدولية بل على العكس تبرّرها وتدعمها.
فعلى مدى عقود تمّ تنميط وإنتاج صورة العربي الشرقي كـآخر لا يستحق السيادة أو الحقوق، بل ككائن قابل للمراقبة، وللإدارة، وللاستغلال، وللانتهاك، وحتى للتدمير. هذه البنية الخطابية لا تزال سائدة، بل أُعيد إنتاجها عبر آليات جديدة أكثر تطوّرًا، وأقلّ كلفةً من حيث الرأي العام من خلال الطائرات المسيّرة، والخوارزميات، والتواطؤ الإعلامي، أحيانًا المحلي قبل العالمي.
منظومة استعمارية متجدّدة تتجاوز الاحتلال العسكري لتشمل الاحتلال الرمزي والرقمي
في المقابل، تفرض المنظومات المعاصرة على الإنسان
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على