فخري كريم يكتب انتصرنا شعار النكران والتمهيد لهزيمة أخرى
واحدة
آن الأوان للتوقف عند مسارات المواجهة مع العدوان الإسرائيلي منذ إعلان كيانه عام 1948 وحتى اليوم وتقييم نتائجها وأسباب القصور والتردي العربي والإسلامي في الصراع معه بروية وتعقل ووعي مسؤول وربما سيكون ذلك ممكنا لو جرى التوقف عن إخفاء الحقيقة عبر الإصرار في كل منازلة على رفع شعار انتصرنا وليس أشد إيلاما ومدعاة للخيبة من معارك صدام حسين وهو يخرج البلاد من حروبه أكثر خسارة وانكسارا لقد كان أمام قيادة الحزب الشيوعي العراقي في اللحظات الأولى من الحرب العراقية الإيرانية أن نتخذ موقفا من الحرب وتحدد توجهاتنا في التعامل مع تطوراتها وصادف إعلان الحرب مع تصعيد غير مسبوق لاستبداد سلطة البعث بعد أن استأثر الدكتاتور صدام حسين بالسلطة كاشفا عن وجه الجلاد فاشيا فاق بنهجه ما كان عليه هتلر وموسوليني وتجسد هذا التصعيد في جانب منه بوضع الحزب أمام أحد خيارين لا ثالث لهما التصفية الجسدية للحزب ممثلا بقيادته وكوادره وأعضائه والقوى الديمقراطية المتفاعلة معه أو الدخول في خيمة البعث أي التحول إلى لقيط ملحق بالبعث والتخلي عن وجوده الفعلي سياسيا وفكريا وتنظيميا تمهيدا إلى حله والالتحاق بالبعث كما كان يراد بعد سقوط سلطة البعث الأولى عام 1963 بالانضمام إلى الاتحاد الاشتراكي بقيادة حركة القوميين العرب في إطار ما عرف في تلك الفترة بسياسة خط آب اليميني التصفوي المدان ولم يكن أمام الحزب يومذاك إلا إدانة نظام صدام حسين بعد أن اتضح أنه البادئ بإشعال الحرب والدعوة إلى إيقافها والانسحاب من الأراضي التي جرى احتلالها وفي مجرى تطور الحرب واتخاذها طابع احتلال الاراضي من قبل الطرفين وخصوصا بعد معركة الفاو التي توغلت فيها إيران إلى أراض عراقية كان موقفنا إدانة التوغل في الأراضي العراقية وشجب الاحتلال من أي جانب كان والتأكيد على الانسحاب وإيقاف الحرب والعودة إلى الحدود الدولية لكلا البلدين ومثل هذا الموقف من الحرب بشجبها وإدانة المعتدي ورفض احتلال أراضي الغير كان ولا يزال نهجا مبدئيا للشيوعيين يجسد هويتهم الوطنية والأممية بصرف النظر عن طبيعة النظام القائم واستبداده ويتضح هذا النهج دون لبس من العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية ليس فقط لكونه البادئ بالحرب وإنما لطبيعته العنصرية التوسعية الاستيطانية واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية واستهتاره بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والقوانين والأعراف الدولية ورفضه الانصياع للمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية المستقلة إن مثل هذا الموقف المعبر عن النهج المبدئي للشيوعيين والوطنيين العراقيين وفي سائر البلدان العربية وعلى الصعيد الدولي يدل بوضوح على أن الدفاع عن سيادة الاوطان وشجب الحروب العدوانية لا يخضع حتى لمعايير طبيعة النظام المعتدى عليه ونهجه المعادي للحريات والحقوق والقيم الوطنية والإنسانية فقد اتخذ حزب توده الإيراني ذات مواقف الشيوعيين متجاوزا جروحه ومعاناته من النظام القائم في إيران بل كان هذا هو موقف الأوساط الواسعة من قوى وشخصيات المعارضة الإيرانية في الداخل والشتات وأصوات هذه القوى التي تناوئ النظام هي أكثر فاعلية ومسؤولية وإخلاصا من صياح ونعيق الموالين المأجورين المجردين من الهوية الوطنية العراقية فالمعارضة إذ تعلن الولاء لوطنها والدفاع عن سيادته واستقلاله فأنها تتعالى على جراحاتها وضيمها وما تتعرض له من كبت وحرمان وعسف وإقصاء والعراقيون الوطنيون الذين شجبوا العدوان الإسرائيلي وانحازوا للوقوف إلى جانب إيران المعتدى عليها لم يخضعوا موقفهم لما يعايشونه من تدخل سافر في شؤون بلدهم منذ إسقاط الدكتاتورية الصدامية والتحكم والهيمنة على مقدرات البلاد من خلال زمرة معزولة مدججة بسلاح منفلت خارج الدولة وميليشيات مكرسة لمواجهة أي تحرك شعبي في إطار القانون كما كان عليه في انتفاضة تشرين بقوة السلاح والتصفيات الجسدية دون أن تخفي ولاءها لإرادة خارج الحدود والدفاع عن مصالح لا علاقة لها بالمصالح الوطنية العليا للعراق إن مواجهة النتائج الكارثية للعدوان الإسرائيلي على الجارة إيران وشعبها لا تستقيم بالشعارات المجردة من الحقيقة بل بالتوقف عند الحقائق والمعطيات الملموسة ولا يعني ذلك إشاعة روح الاستسلام والهزيمة والإحباط في أوساط الشعب والقوات المسلحة بل تبصيرها بأسباب وعوامل ما ترتب على الحرب من خسائر وضحايا ونكبات وما يتطلبه ذلك من مواجهة النتائج السلبية عبر تعبئة القوى بتحرير إرادة الشعب والاعتماد على قواه الوطنية الحية والارتقاء بمستوى استعدادها لمواجهة أي تحد يستهدف سيادتها واستقلالها ومصالحها العليا وهو يستلزم أيضا العودة إلى مسار يحترم إرادة الشعوب والبلدان الأخرى المجاورة وسواها والتوقف عن التدخل في شؤونها تحت أية شعارات مخادعة تخفي ما يتناقض مع ادعاءاتها وفي مقدمة ذلك الإقرار بأن الدولة المعافاة المنافية للاستبداد هي الإطار القادر على ردع أي عدوان بل إقامة علاقات صداقة أو تحالف وليس الاعتماد على شراذم ميليشياوية مأجورة خارج سلطة الدولة وسيطرتها وللأسف فإن الحركات الكبرى في البلدان العربية وفي مقدمتها الأحزاب الشيوعية ظلت على الدوام تختم بياناتها بالعبارة الشهيرة ورغم الخسائر والانتكاسات فإن الإمبريالية والرجعية وعملاءهما لم يستطيعوا تحقيق كامل أهدافهم من دون أن نسأل هل كنا نحن أيضا عاجزين عن تحقيق أي من أهدافنا وليس عبثا أن شعار انتصرنا بعد كل هزيمة وانكسار كان يمهد لهزيمة وانكسار جديد لأن مثل هذا الشعار ينطوي على شعور بالرضا الخادع ويغري بالاكتفاء ويدفع إلى المزيد من الانحدار The post فخري كريم يكتب انتصرنا شعار النكران والتمهيد لهزيمة أخرى appeared first on جريدة المدى
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على
ورد هذا الخبر في موقع المدى لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا
اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان