السم الذي في رأسك لا في الكأس

٨ مشاهدات

في زمنٍ يتسابق فيه المتنطّعون على الألقاب، كما تتدافع القطط نحو “خرم” مكيّف في ظهيرة عدنية حارقة، يظهر لك من يظنّ أن العظمة تُنحت باللسان لا بالفعل، تمامًا كما يظن أحدهم أن السباق على المنصّة لسرقة الميكروفون يجعله قائدًا بحجم “جحف”، أو أن كثرة الصور في “المناسبات” تغني عن إثبات حسن السيرة والسلوك.

بقلم/ علي محمد سيقلي

بات بعضهم يوزّع على نفسه الألقاب كما توزّع المنظمات شهادات التقدير في فعالية لا قيمة لها.
كل ما تحتاجه الآن لتكون “خبيرًا” هو أن تقول إنك “فاهم في كل حاجة”، وأن تلبس بدلة رسميّة، وتبتسم بثقة شخص لا يفهم ما يقول، بل ولا يعرف “كوعه من بوعه”، ثم يلوّح بيده بكل ثقة، كما لو أنه يوشك أن ينقذ الجنوب من الانقراض.

المضحك حقًا، بل المبكي أحيانًا، أن الهزيمة لا تبدأ من الخارج، بل من الداخل.
قد لا يحتاج المهزوم “بطبيعته” إلى خصم عنيد، ولا إلى حرب يخوضها مع الكبار، كل ما يحتاجه هو فكرة مصنوعة من الوهم، تسكن رأسه كحشرة ذكيّة، أو “خنذوذ” يهمس في أذنه قبل النوم:

“لا تحاول… أنت حمار… لن تنجح… ولن تنجح…”
فيصدّقها، كما يصدق “عظيمان” أنه شاعر.

تأمّلوا القصّة:
أحدهم قرر أن يتحدّى سقراط، الطبيب والفيلسوف، لا بالحجة ولا بالعلم، بل بفكرة عبقريّة:
“ما رأيك أن نتبادل السُم؟”
قالها باستهتار، وكأنه اخترع الترياق.
لكن سقراط، بدهائه المعتّق، لم يحتَج إلى رشفة، بل ترك الكأس، وزرع الفكرة.
خصمه مات، لا لأن السُّم تسلّل إلى عروقه، بل لأن الفكرة تسلّلت إلى دماغه.
ظلّ يسمع أزيز “الخنذوذ” في رأسه كمروحة السقف، ويتصبب عرقًا من خيالٍ مسموم، ويعدّ دقّات قلبه كأنها نهاية بطلٍ من ورق.
ومات.
لا بالسُّم، بل بالخوف.
لا بالموت، بل بالوهم.

اليوم، في الشوارع ومقايل القات، في النقاشات، وعلى حيطان “فيسبوك”، ترى آلاف “السقراطيين” المزيّفين “الخجفان”، خصومًا وهميين يموتون من فكرة، لا من معركة.
يموتون من تعليق سلبي، من همسة مشكوك في صاحبها، من “لايك” يقرأه كل زوّار الصفحة،

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع عرب تايم لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم