حينما تقرأ إبراهيم أصلان
حينما تقرأ إبراهيم أصلان
زوايا /> عبد الحكيم حيدركاتب وروائي مصري
29 مايو 2025 alt="إبراهيم أصلان"/>+ الخط -كتابة متقشّفة من الزوائد والمحسّنات، ومن كلّ غباء كتابي مألوف، ولكنّها مليئة بالمعاني الغامضة والنباهة الشعبية التي تضمر في داخلها أكثر من ذلك الصراخ الأبله. كتابة تقول ما في نفس خطوطها الغامضة بإيماءاتٍ أقرب إلى الإشارات، لا كبلاغة مكرّرة ومألوفة في أضابير الأسلوب وتركيب الجمل. كتابة تشبه صحبة رجلٍ كبير السن في قطار المناشي، رجل قليل الكلام ينطق كلّ آنٍ وهو في القطار عن تلك الدنيا القليلة التي هناك، والتي يجري وراءها الناس سعياً وراء المكاسب، من دون أن ينتبه الناس لحزن تلك الغمامتَين هناك، أو ذلك المطر الذي يخرّ من خشب ذلك الشباك القديم في إمبابة، أو بين السرايات.
كتابة تحكي اللقاء الأليف بين عجوزَين فرّا من قسوة الأيّام، وتذكرا فجأةً سنوات الخدمة لهما في السكّة الحديد، أو في حرس الحدود، أو في أرشيف وظيفة صغيرة بعدما أحيلا على المعاش، وبهتت الذكريات كثيراً، ولكنّها أليفة جدّاً في الفم، وخاصّة حينما يضحك الفم بضحكات أسيانة وغامضة بلا صخب.
كتابة تحكي العجز الأليف للذكريات من دون أن تخدش حياء اللقاء، أو تستجلب الدموع على الماضي، كتابة تسكب رحيق الذكريات في كوبَين من الشاي، وبخفة فقط تتلاقى العيون من فوق كرسيَّين في مقهى بالقرب من الطاولة أو الدومينو، رعشة العين فقط، أو دلالة تلك الابتسامة وكأنّها تلعب هي الأخرى مع الخصمَين بلا كلام.
كتابة تضمر أكثر ممّا تظهر، كتابة تقول الباطن أكثر ممّا تتعلّق بهول الأحداث أو طلاوة المعنى وضخامته، كتابة إبراهيم أصلان هي صحبة مع عين ذكية على الأشياء النادرة والأليفة معاً، كطائر مالك الحزين بالقرب من النهر، أو رجل كبير السن يدخل الحمّام، ويتذكّر ذلك الرجل الذي حكى معه أثناء صعوده السلّم، ولا يملك إلا أن يقول: يخرب عقلك يا فلان، ثمّ يطفئ عود الكبريت في تلك المياه القليلة في بقعة من المياه الواقفة في تجويف إسمنت
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على